نحن الآن أمام مشكل معضل محير إذ نجد إنفصالا رهيبا بين التدين والأخلاق , فنجد أن الناس (طبعا ليس في العموم) تخرج من المسجد بعد الصلاة لتتشاجر وتشتم وتسب لأتفه الأسباب , كما نجد التاجر ينهي صلاته ويذهب إلي متجره ليمارس الكذب والغش والمغالاة في الأسعار وكذلك الصانع , وإذا سألت عن الموظف المعين لإنهاء معاملة قالوا لك أنه يصلي وتنتظر طويلا وعند عودته أول عمل يقوم به هو فتح درج من أدراج المكتب لتلقي الرشاوي , وصاحب المعاملة أيضا يصلي ويقدم الرشوة والغريب أن هذا وذاك يعلم أن الراشي والمرتشي في النار.
.
أننا نتأسي بلحية الرسول وجلبابه صلي الله عليه وسلم (وهذا أمر يأجر المرء عليه بلا شك) ولكن أكثرنا لا يتأسي بأدبه الجم وخلقه العظيم كما وصفه رب العزة: (وأنك لعلي خلق عظيم) آية 4 من سورة القلم , وصفه سبحانه بهذا الوصف رغم أنه كان صلي الله عليه وسلم سيد الزعماء وسيد الفقهاء وسيد الخطباء وسيد القضاة , ذلك أن الخلق العظيم يأتي بكل هذه الصفات فالخلق في علم اللغة لفظ شمول وباقي الصفات تأتي منه كفروع .
كذلك وصف أمير الشعراء أحمد بك شوقي النبي صلي الله عليه وسلم حين قال:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
وتتجلي أهمية الأخلاق في صلاح الأمم في قول أمير الشعراء حين قال:
”إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”
.
وأخيرا أري أن هناك فرق شاسع بين التدين والإيمان , فالتدين يأخذ طريقه إلي الشكل الخارجي للمتدين , أما الإيمان فهو ما وقر في القلب وصدقه العمل ومسكنه دائما القلب والضمير , ويا حبذا لو جمع المرء بين الإيمان أولا والتدين ثانيا علي نحو ما سبق بيانه , نسأل الله أن نكون من ذوي الحظ العظيم في إيماننا وتديننا.