بحث داخل الموقع

أغسطس 17، 2014

لماذا تعاملت كتب التراث مع كل امرأة مسلمة باعتبارها مشروع عاهرة?!

يسألنى كثير من القراء عن الهدف والمغزى من الاهتمام فى كثير من مقالاتى بالتصدى والتفنيد لقضايا المرأة فى التراث الإسلامى, والإجابة عن ذلك السؤال، هى فى الحقيقة متناثرة ومُفرقة بين ثنايا جميع مقالاتى عن المرأة أو عن غيرها بلا استثناء, وهى أن المرأة المسلمة وحقوقها كانت إحدى الضحايا الكثر للفرق الذى نؤكد عليه مرارا, الفرق بين إسلام الشريعة وإسلام الفقه, فإسلام الشريعة الذى لا نعرفه اليوم ولا نعيشه ولا نذكره هو فى الحقيقة الذى حرر المرأة المسلمة من رق الجاهلية، وأطلق الكثير من الحقوق الأخرى فى مدى غير منظور، ليحاول العقلاء والمنصفون استكمال السبيل بذات الهدى النبيل، والسمت الراقى الذى نزلت به الشريعة، وكان حالّا فى التطبيق الأول لثلاثة وعشرين عاما قبل انتقال النبى لرفيقه الأعلى, ولكن وكما بينا بتوسع فى مقالنا «تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى» أن الروح الجاهلية ضد المرأة أخذت فى الوثوب والترقى من جديد بعد انتقال النبى لربه ولكن بشكل شرعى، وقد استوضح ذلك جليا وبعد سنوات قلائل من وفاة النبى، وتوقف التطبيق الأعظم للتشريع بسبيله القويمة, وقد بينا ذلك بدقة من خلال الكلمات التى ضمنّاها المقال المشار إليه عندما قالت أم المؤمنين «عائشة» لمن زعموا كذبا أن مرور المرأة والحمار والكلب يبطلان صلاة الرجل فقالت:» شبهتمونا بالحمر والكلاب»، وقد عقبنا بالشرح على هذه المقولة العبقرية لأم المؤمنين التى استشرفت بها الجاهلية التى أخذت طريقها للعودة فى الإسلام وقلنا نصا: «وهى بذلك قد أخرجت المعنى والسياق من سياق مصطنع للحديث يمثل شرطا تعبديا للصلاة إلى السياق الحقيقى وهو إذلال المرأة وتحقيرها ويا لها من فطنة حقيقية لأم المؤمنين».

وهذا بالضبط ما تبلور بعد عقود من وفاة أم المؤمنين «عائشة» فى صورة إسلام الفقه والتفسير الذى خالف وفارق وجانب إسلام الشريعة على نقيض.

وقد نقم علينا بعض القراء فيما وصفنا به أهل التراث، من أنهم أعادوا الجاهلية من جديد من خلال آرائهم الفقهية والتفسيرية, رغم أن الوصف الذى كتبناه عن عودة الجاهلية فى ذهنياتهم المتصورة ضد المرأة بالخصوص، إنما هو فى الحقيقة وصف متأدب ومتهذب ومتعفف بالأخلاق الحميدة أمام ما كتبوه وسطروه بكل جرأة وسفور على النصوص المقدسة فى حق المرأة المسلمة.

ورغم أنى لم أُضمّن فى كل المقالات التى اختصت ببيان ذلك من نصوص التراث البهيم إلا بقدر ما هو متواز أو متقاطع أو شارح لما نفنده ونناقشه, ولكن ذلك لم يمنع من وصول الصورة الذهنية الكاملة التى أرادها أهل التراث أن ترتسم للمرأة المسلمة فى دين الفقه وليس فى دين الشريعة, وهى الصورة المشوهة والجاهلية التى كانت تئد البنت رضيعة فى الجاهلية الأولى بذات أسبابها, فقد كان الجاهليون يئدونها لسببين أساسيين, الأول كان لمجرد أنها أنثى فهى بذلك المرشح الرئيس لاستجلاب الإثم والرجس للعشيرة والقبيلة البائسة, أما الثانى فلأن وجودها والعدم سواء، فهى فى أنظارهم لا تسمن فى عدة ولا تغنى فى عتاد, فقد كان الجاهلى يود دوما أن يكون أبا الفوارس الذى يورث عنترة, حيث جعلته جلافة البداوة وظلامها يعتقد أن الدنيا ما هى إلا سيف وفرس.
وتلك الأسباب برسمها وكنهها قد انتقلت متوشحة لباس الفقه والتفسير إلى كتب التراث لتخلف وأدا من نوع جديد, هو الوأد الفكرى والفقهى الذى كان فى أثره ومعناه ومداه أعمق وأشد غباء وحمقا من وأد الجاهلية ولو كان فى التراب.
لذا فإننا سنُضمِّن فيما يلى نصوصا أربعة مما اختطه أهل التراث فقها وتفسيرا، وذلك ليس بغية مناقشته وتفنيده كما نفعل دوما, ولكن لكى نستوضح من أى منبع وبأى رافد عادت روح الجواهل لتتقدم الصفوف التراثية فى الدين الموازى لدين الشريعة وترسم ذهنية الجاهلية الثانية.

أولا: المرأة رضيعة:
فى دين الشريعة السمح لم يوجب الإسلام مطلقا بأى وجه فى القرآن أو السنة الصحيحة نصا واحدا يوجب بتر جزء من أجزاء الجهاز التناسلى للرضيعة, أو ما اصطلح على تسميته فى دين الفقه «الختان», ورغم أننا سنفرد بالتأكيد لمقال خاص فى ذلك الشأن، فإن النص اللاحق لهذه الفرية فى ذلك المقام، أهم من النص السابق وهو الحديث المنتحل والمكذوب على النبى, وقد اخترنا النص الذى يبرر ويشرح -بزعمه- مراد الشرع من ختان -ذبح- الإناث ويرسم الذهنية الجاهلية فى النظر للمرأة منذ مهدها, اخترناه من فتاوى من لقبوه بشيخ الإسلام «ابن تيمية», ففى إجابته على سؤال «هل تختتن المرأة؟» يقول: «نعم تختتن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التى... قال رسول الله للخافضة وهى الخاتنة أشمى ولا تنهكى فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج.... والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة, ولهذا يقال فى المشاتمة يا ابن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا يوجد من الفواحش فى نساء التتر ونساء الأفرنج ما لا يوجد فى نساءالمسلمين». مجموع الفتاوى (21/114).
إذن لندقق جيدا فى كلام الأخ «ابن تيمية» لنرى ونستخلص كيف رسم دين الفقه لإهانة وإذلال المرأة منذ الرضاعة.


أقر «ابن تيمية» هكذا فى أول كلامه بوجوب الختان فى حق البنت، ثم عقب بعدها بحديث من المفترض أنه يبين به النص الشرعى الذى ابتنى عليه هو وأمثاله نص الحكم الفقهى, ولكن المعضلة أن «ابن تيمية» استشهد بحديث باطل لا يصح عن النبى من أى وجه مرفوعا أو موقوفا- الموقوف بمعنى أن نهاية القول فيه لصحابى-, وبذلك وضع ابن تيمية نفسه فى مأزق كبير, فلو كان عالما بضعف الحديث، وهو ما كان يعلمه يقينا الصبية الأغرار فى زمان «ابن تيمية» إذن فهو قصد بذلك التدليس وإظهار حكم بصيغة الشرع مما ليس فى الدين, رغم أنه هو الذى كان يتتبع دائما الأحاديث والروايات المؤيدة مثلا لموقف الأشاعرة فى العقيدة- وهى العقيدة التى عليها الأزهر الشريف ومعه مليارات المسلمين- وقد كان يكثر من قوله «أما هذه الرواية فلا تصح», فلماذا يا ترى تعطلت آلة سبر الحديث وتتبعه عند «ابن تيمية» فجأة لما كان الكلام عن ذبح للأنثى الذى أحله الفقه وحرمته الشريعة.

أما المصيبة التى تبين كيف كان هؤلاء القوم يفكرون ويستشهدون على آرائهم، فهو ما عقب به الأخ «ابن تيمية» بعدها من فيض علمه الهادر بقوله: «والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة, ولهذا يقال فى المشاتمة يا ابن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر».

وهنا يقول «ابن تيمية» كلاما قد لا يجد الحكيم كلاما مهذبا لوصفه ولا الرد عليه, فيقول إن المشاتمة عند العرب كانت بالتى يعرف عنها أنها لم تختتن فيقال لها «القلفاء» فلو عرف عنها ذلك كانت المشاتمة لابنها بالقول يا ابن «القلفاء», ورغم أن هذه هى أخلاق الفجر البدوى الجاهلى الذى جاء الإسلام ليمحيه، ولكننا سنتخطى ذلك فى قول «ابن تيمية» لننظر إذن ما عيب هذه المرأة «القلفاء» التى لم تختتن, فيخبرنا «ابن تيمية» أن الختان هو تعديل لشهوتها، لأنها لو لم تختتن وكانت «قلفاء»، ستكون لا شك مغتلمة و»الغلمة» هى هياج الشهوة الجنسية الشديد, ولهذا يبرر «ابن تيمية» أن القلفاء التى لم تختتن تتطلع للرجال أكثر أو بمعنى مقارب يريد «ابن تيمية» أن يقول إن التى لم تختتن هى مشروع عاهرة جاهزة للتصدير فى كل أسرة, وهذا كلام مستحقر فاسد, لا يقوله من يملك أدنى بصيرة, فحسب كلام الأخ «ابن تيمية» فهو قد حكم على أخلاق النساء المسلمات كافة بأن «زائدة جلدية» تتحكم فى أخلاقهن, لذا فإن الواجب هو وأد شهوتهن قبل أن يجلبن المعرة والفضيحة للقبيلة الشريفة, وهذا بالضبط بل بطريق أفحش وأسفل ما كان يفعله أهل الجاهلية الأولى من وأد بناتهم لذات السبب, ثم جاءت الجاهلية الثانية لتلبس هذه الآراء المريضة زى الفقه, وكأن المرأة حيوان ليس لديه أخلاق ولا تقوى ولا دين، فكل امرأة فى نظر هؤلاء الحمقى كما ذكرنا هى مشروع عاهرة, ورغم كم الجهل المجمل فى هذه الإجابة طبيا ودينيا وعقليا, فإن فيها الكفاية لبيان الذهنية التى رسمها دين الفقه كذبا عن المرأة منذ الرضاعة ولم يعرفه مطلقا دين الشريعة السمح.

ثانيا: المرأة طفلة:
وهنا ننتقل لنص ثان، انتسب للنبى بطلانا وبهتا أخرجه «الترمذى» يقول: «ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية», والمعنى الذى أسهب الجاهليون فى تأكيده أن بول الجارية-الفتاة الصغيرة- أنجس من بول الفتى المقارن لها فى السن, فبول الفتى ينضح يرش- وبول الفتاة يغسل, وقد أرغى وأزبد الإخوة الفقهاء والشراح فى بيان لماذا يصاحب القذر بول الفتاة ولا يصاحب بول الفتى لذا فهو بول طاهر, هكذا حتى الفتاة التى لم تبلغ بعد تجد نفسها محتقرة منذ نعومة أظفارها, رغم أن الحديث الذى يدعونه على النبى أخرجه الترمذى بسند موقوف ومرفوع, وفى الاثنين كان فيه «قتادة» وهو راو مدلس شهير, ولكن لا لوجود لحديث ضعيف عند هؤلاء القوم طالما يحقر ويحجم من المرأة من مهدها, وقد ألهم الله الحق للشافعى الذى تتبع السنة الصحيحة لبيان حقيقة تلك الفرية ثم قال: «وَلاَ يبين لى فى بول الصبى والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة»المجموع 2/590، وحاشية الجمل 1/188-189.
إذن فهذا هو الذى يرسمه دين الفقه للمرأة الطفلة ولم يعرفه دين الشريعة, ورغم ذلك ما زالت هذه الأقوال تنسج فى فتاوى ويسبح بحمدها ليل نهار فى الفضائيات التى تحاول بناء مجد الأمة الإسلامية بدءا من نمص حواجب المرأة وصولا إلى غسل بول الجارية.

ثالثا ورابعا: المرأة شابة وزوجة:
وفى هذين النصين سنقرأ كيف اجترأ القوم ليس فقط على رسم ذهنية الجاهلية الثانية بالاعتماد على آثار ضعيفة, ولكن على دس هذه الآراء الذليلة بين ثنايا تفسير القرآن العظيم.
فنقرأ النص الأول من تفسير القرطبى فى معرض تفسيره للآية الرابعة عشرة من سورة «آل عمران» يقول: «قوله تعالى: {مِنَ النِّسَاءِ} بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان.... وروى عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب». حذرهم رسول الله؛ لأن فى إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال» الجامع (4/29).
وهكذا كانت الذهنية حاضرة حتى فى تفسير النص الأروع فى التاريخ «القرآن», ولم يرحم «القرطبى» نفسه ولا المسلمين من الحشو والتفريغ لتثبيت ذلك الكلام المتهاوى, فهكذا حكم الرجل بأن النساء هن حبائل الشيطان, ولا أعلم من أين استقى «القرطبى» علمه الخاص الذى أعلمه أن نصف نساء أمة النبى هن حبائل الشيطان, وكيف امتلك الجرأة على دس ذلك الرأى الذى يتخذ مظهر الحكم بأن النساء حبائل الشيطان فى تفسير القرآن, ولكنها ذات الذهنية التى افترضت عند «ابن تيمية» فى دين الفقه أن النساء بغير ختان هن مشروع جاهز للعهر الجنسى، لذا فإن ذلك موصول بتلك ليواصل دين الفقه والتفسير زعمه الكاذب أن النساء حبائل الشيطان, بل إن «القرطبى» لم يفارق «ابن تيمية» فى التتبع بل طابقه رسما ومعنى, فقد حذا حذوه بتضمين كلامه بحديث باطل لا يصح عن النبى من أى وجه, وهو ما نقله بهتانا بقوله: «لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب» وتفضل «القرطبى» متكرما بشرح أن إسكانهن الغرف يقربهن من الرجال, وهذا قريب من وقوع الفتنة, وأن تعليمهن الكتاب -الكتابة- فتنة أشد لأنها باب للقاء الرجال, وهكذا ذات الخطوات وذات الجاهلية الثانية وذات الأحاديث الباطلة الموضوعة للاستشهاد هى سبيل مرسوم لأهل التراث, وسبحان الله فى قوم كهؤلاء.

أما النص الرابع فهو نص ظللت لسنوات أحاول أن أفهم كيف كتبه «الرازى», أحاول أن أستحضر الظرف والدليل الذى أوصله فى النهاية لكتابة مثله فى التفسير, ولكننى تيقنت فى النهاية أن ذلك من المحال, فقد قال «الفخر الرازى» فى معرض تفسيره للآية (21) من سورة الروم: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».

وهى من أعذب وأرق آيات القرآن فى الحديث حول فلسفة الخلق الإلهى الكامل للنفس البشرية, نجد «الفخر الرازى» يكتب معقبا ومفسرا لهذه الآية بما لا عين رأت ولا عقل وعى.
فيقول نصا: «خلق لكم دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع كما قال تعالى:«خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا», وهذا يقتضى ألا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف فنقول خلق النساء من النعم علينا, وخلقهن وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا, وذلك من حيث النقل والمعنى والحكم.

أما النقل فهذه وغيرها. وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها, وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة, فشابهت الصبى لكن الصبى الذى لم يكلف فكان يناسب ألا تؤهل المرأة للتكليف, لكن النعمة علينا ما كانت لتتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم ولولا ذلك لظهر الفساد» تفسير الفخر الرازى (13/111).
وهذا النص وصل فيه «الرازى» إلى نقطة العلو لما لم يسبقه إليه سابق, فلم يقل ما قاله القرطبى أو غيره, بل إن ما قاله لم يقله أحد من العالمين من عرب ولا عجم ولا عقلاء ولا سفهاء, فالرجل يقول صراحة إن المرأة مخلوق خُلِقَ لمنفعة الرجل مثل الحيوان والنبات تماما, وأنها فى الأصل غير مخلوقة للعبادة لأنها من جملة المنافع للرجل فقط, وأن الله أوشك ألا يفرض عليها تكاليف لولا أن أراد أن يتم النعمة على الرجل فجعل للمرأة تكاليف وعبادات، وهذه التكاليف فى ذات الوقت ليست موجهة نحوها بالضرورة الأصلية ولكنها موجهة إليها عرضا, لأن المرأة سخيفة وضعيفة الخَلْق والبنية الجسمية وهى مشابهة تماما للصبى الصغير فليس لها عقل ولا قوة, ولكن الصبى أفضل منها أيضا لأنه سيكلف فيما بعد, ولكن هى ستظل كذلك على ما هى عليه ناقصة القوة والعقل, وأن الله إنما فرض عليهن التكاليف حتى ينقدن للرجال وينزجرن وينصعن ولا يقربن الحرام الذى هو دائما قريب لطباعهن لولا الخوف من العذاب وبخلاف ذلك فقد كان للمرأة هذا المخلوق الحيوان أن يظهر فسادا كبيرا.

إذن فهل يعقل أن الرجل كان فى وعيه الكامل وهو يكتب ذلك بل يجترئ على ضمه إلى تفسير القرآن العظيم, وهل يعقل أن الرجل كان ليس صاحب هوى أو معقدا من النساء لغرض فى نفسه وهو يخط ذلك الإسفاف, وهل تذكر الرجل أمَّه التى ولدته وربته وأنضجته ليكتب هذا الفحش والإثم والعدوان عليها بعدما تعلمت يده الكتابة.
والله إن العقل ليعجز عن تصديق أن هؤلاء القوم كانوا من البشر أمثالنا, ووالله لو أن الشيطان أراد أن ينزل بالنص القرآنى من عليائه ويضع بجانبه هذه السفاهات الأثيمة المستحقرة ما استطاع لذلك سبيلا. ولمَ يفعل وقد أغناه أهل التراث عن ذلك, بل إن اليهود حتى لما احتقروا المرأة وجعلوها من «الأغيار» لم يقولوا صراحة أنها حيوان ذات منفع فقط لمتعة الرجل.


والحقيقة أن النص شارح لنفسه فهو متفرد لا مثيل له فليس هناك ما يقال تعقيبا عليه, ولكن هو بيان بذاته وغنى بحاله ودليل على نفسه وكاتبه بكل ما حمله تراث الدين، دين الفقه والتفسير, وكان يتخطى بمراحل حتى ما كان يكنه أهل الجاهلية من كراهية واحتقار للمرأة فى كل أطوارها.

خامسا: المرأة فى الجنة:
وهنا نجد أيضا عجبا لم نر مثله, فقد صنف «السيوطى» رسالة بعنوان «إسبال الكساء على النساء» مفادها وخلاصتها أن النساء حتى إن دخلن الجنة فإنهن محرومات من رؤية الله بخلاف رجال الجنة, والسبب كما يزعم «السيوطى» أن النساء غير مشمولات فى كل الآيات والأحاديث التى ذُكرت عن لقاء الله للمؤمنين, بل إن الطرافة والفساد فى آن هو إجابة السيوطى عن سائل يقول له «لو أن الأمر مقصور على الرجال الأحرار لكان العبيد ممتنعون من رؤية الله ولقائه وهذا غير ثابت», فيرد «السيوطى» بأربعة أدلة أن العبد المملوك هو أفضل من المرأة, ولكن أطرف الأدلة الأربع والذى يستحق النظر هو الدليل الأخير الذى يقول فيه «السيوطى»: «وهناك فرق رابع وهو أن الرق يزول بالموت وأما الأنوثة المقتضية للستر فمستمرة». إسبال الكساء (35).
فحتى الآخرة والجنة لم يتركها القوم للمرأة حلالا سائغا, فهى محرومة من نعيمها أيضا, والمدهش أن السيوطى استشهد ودلل على رأيه الفاسد بأقوال وتلافيف مضحكة إلى حد الرثاء, ويستطيع الصبى الغرير استبيان فسادها.

إذن:
هذا هو حال المرأة المسلمة فى تراث دين الفقه والتفسير, هذا هو حال المرأة رضيعة وطفلة وشابة وزوجة وحتى فى جنات عدن فى نظر هؤلاء المأفونين, هذه هى النصوص التى تتحدث بهذا التطرف والإسفاف فى حق أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا ونساء المسلمين, هذه هى الحالة المرضية المستعصية التى اجتاحت العقول بعد عقود قلائل من توقف التطبيق الأول لدين الشريعة مع وفاة النبى, هذه هى النصوص الملتاثة العفنة التى تسللت إلى الوعى المسلم لتشكل مع نصوص كثيرة متضافرة صورة المرأة الذليلة المقهورة من مهدها إلى ما بعد لحدها.

لذا فإنه لا تثريب على أجيال مغيبة الوعى نشأت على احتقار المرأة فى كل شىء, ولا تثريب على الوهابية إن أخذت من ذلك المعين النجس وزادوا عليه كثيرا من عندهم طغيانا وكذبا.
هذا هو ميراثنا الذى ما زال البعض لا يجترئ حتى على تنقيحه, ميراث الغث والهوى والتطرف والعدائية وقلة الحياء إلا قليلا مما رحم ربى, هذا هو الموروث الذى لم يستح أهله وخُطَّاطُه ومقدسوه أن يرموا بمائه الراكد العفن على هدير الشريعة الرائق, هذا هو الموروث الذى ينقم علينا بعض الصبية فى تعقبه حيث يجب ألا نمسه إلا ونحن مطهرون, هذا هو السد الأعمى الذى حجب عن الوعى المسلم أن يتبصر ويتدفأ من ضياء الشريعة المحجوب خلف ظلمته وجهالاته وغيه.

وهذا هو ما فعلناه وسنفعله دأبا لبيان وتتبع وتعرية هذا التراث بيانا لا يغادر سقما.