كانت الدهشة كبيرة والإستغراب عظيم عندما سمعت من شيوخ أزهريين كبار وإعلاميين مشهورين عبر الفضائيات أن الخوارج هم أول من رفع المصاحف.
الوقائع ثابتة والتاريخ الصحيح الموثوق به ينطق بالحق لمن أبتغي الحقيقة لوجه لله , أما الذين يدعون العلم بالتاريخ وهم منه خواء أو من يعلم بالتاريخ الصحيح ولهوي في نفسه ينكره أو يحرفه فهذا أفك كبير.
كثير من الناس لا يعرفون من هم الخوارج وأكثر منهم لا يعرفون المغذي من رفع المصاحف أو أين رفعت المصاحف أو سبب رفع المصاحف , سأبين فيما يلي لمن لا يعرف شرحا وافيا حقيقيا موثقا في كثير من كتب التاريخ الإسلامي عن قصة رفع المصاحف وهو الأمر المتصدر للمشهد الأمني والسياسي في مصر الآن.
بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه من قبل الفئة الباغية تولي الخلافة علي بن أبي طالب وقد بايعه المسلمون فيما عدا قلة هي عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص , وكان إمتناع هؤلاء عن مبايعة علي سببه الخلاف حول الأولويات فهم يريدون الأخذ بثأر عثمان أولا ثم يبايعونه ثانيا , وكان علي يري العمل علي إستقرار الأوضاع وتقوية دعائم الدولة أولا , وقد كانت في حالة فتنة , وبعد ذلك يأخذ بثار عثمان.
لم يأخذ الفريق الذي يضم عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير برأي علي وخرجوا علي رأس جيش إلي العراق لأخذ الثأر من قتلة عثمان , وفي رأي كان ذلك خروجا علي ولي الأمر وهو آنذاك علي بن أبي طالب وكان من أثر ذلك إندلاع الحرب بين جيش عائشة وطلحة والزبير من جانب وجيش علي من جانب آخر في موقعة سميت موقعة الجمل سنة 36 هجري وإسم الجمل كان نسبة لأن عائشة كانت علي ظهر جمل أثناء المعركة , إنتهت الموقعة بهزيمة جيش عائشة ومقتل طلحة والزبير و 7000 من الجانبين , وعادت عائشة مع أخيها محمد بن أبي بكر وكان في جيش علي إلي المدينة معززة مكرمة ولزمت بيتها هناك وقالت آنذاك تعقيا علي خروجها وعدم إمتثالها لقول الله "وقرن في بيوتكن" أنه قدر ومقدور.
بعد موقعة الجمل أراد الخليفة علي بن أبي طالب إستتباب الأمن ووأد الفتنة فقام بعزل معاوية وكان واليا علي الشام من قبل الخليفة عثمان بن عفان وكان إبن عمه , لم يمتثل معاوية لآمر العزل وأصر علي الأخذ بثار إبن عمه عثمان أو تسليم قتلته لأخذ الثأر منهم , ومن أجل ذلك كان لا بد أن يتولي الخلافة بدلا من علي لتحقيق هذا الغرض بالإضافة إلي الغرض الأسمي وهو السلطة.
جهز علي جيشا قوامه 100 ألف وسار به نحو الشام ، ووصل إلى منطقة تُسمّى (صفين) , وخرج أيضا معاوية علي رأس جيش يقل عدده عن جيش علي وذلك بعد أنصحوه أعوانه من أهل الشام بالخروج ومنهم عمرو بن العاص
الذي كان يحمس الناس علي القتال.
تدور الحرب بين الفريقين في منطقة "صفين" بشدة من الصباح حتى المغرب، ويسقط الكثير من القتلى 45 ألفا من أنصار معاوية و 25 ألفا من أنصار علي , ولما كادت الموقعة تنتهي بإنتصار جيش علي , قام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، ليدعوا جيش علي إلى التوقف عن القتال ويدعون علياً إلى حكم القرآن.
فطن علي بن أبي طالب إلي خدعة عمرو بن العاص وأمر جيشه بمواصلة القتال إلا أن "الأشعث بن قيس" رفض القتال وطلب من الإمام علي أن يوقف القتال ويحتكم إلى القرآن، وأخذ يحرض الجيش على وقف القتال والاحتكام إلى القرآن ، فأزداد الضغط على الإمام علي وهدده بالقتل إن لم يأمر بوقف القتال ، فشعر الإمام علي أنه لا مفر من وقف القتال خشية انقسام الجيش فأوقف القتال للتحكيم بالقرآن.
ولم يكن التحكيم بالقرآن إلا خدعة من عمرو بن العاص وتمرداً من "الأشعث بن قيس" ، وإنتهي التحكيم بخلع عليا وتثبيت معاوية علي خلاف ما أتفق المحكمان أبو موسي الأشعري عن علي , وعمرو بن العاص عن معاوية وكان الإتفاق أن يقوما بخلع الأثنين وترك الأمر للمسلمين يختاروا خليفتهم , بعد ذلك خرج أبو موسي أولا إلي الناس وأقر بخلع عليا ثم تبعه عمرو بن العاص وأقر بتثبيت معاوية.
وبعد فترة وجيزة طالب الذين كانوا يطالبون بوقف القتال والاحتكام للقرآن أن يرجعوا للقتال، لكن الإمام علي رفض طلبهم فانقلبوا ضده وأصبحوا فيما بعد يُعرفون بالخوارج .
مما تقدم يتضح أن الخوارج لم يرفعوا المصاحف لأنه ببساطة لم يكن هناك ما يسمي بخوارج في موقعة "صفين" بعد , والذي حدث أن فئة من جيش علي بزعامة "الأشعث بن قيس" وافقوا علي وقف القتال والتحكيم إلي كتاب الله بسبب رفع المصالح من قبل جيش معاوية , ولما أنصاع علي بن أبي طالب لرغبتهم أنقلبوا عليـه لأنه حكّم أناس من البشر وتنازل عن لقبه أمير المؤمنين وقالوا أن عليا خالف قول الله في الآية ( إن الحكم إلا لله ) جزء من أية 40 من سورة يوسف و أيضا قوله تعالي ( إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ) جزء من آية 67 من سورة يوسف.
ولما لم يلتفت الإمام علي لرغبتهم في العودة للقتال كفَّروه، ثم أعلنوا الحرب عليه فدارت معركة النهروان فقضى عليهم الإمام علي. ومن الخوارج الفارين من هذه المعركة أفراد قرروا قتل الثلاثة علي ومعاوية وعمرو بن العاص , فتمكنوا من قتل علي رضي الله عنه عندما خرج لصلاة الفجر علي يد خوارجي إسمه إبن ملجم , أما معاوية وعمرو بن العاص فلم يتمكنوا منهم ليتولي بعد ذلك معاوية الخلافة الذي حولها من شوري إلي ميراث.