بدأ بالأمس فتح باب التقدم للإنتخابات البرلمانية المصرية القادمة بمشاجرات وصدامات بين المرشحين فكانت بداية غير سعيد وغير موفقة , كما كانت غير مبشرة ببرلمان مسئول , بل علي العكس أثار هذه التصرف من قبل المرشحين نواب البرلمان القادم والممثلين للشعب للنهوض بالتشريع لصالح الأمة , أثار مخاوف جمة علي إستقرار وهيبة البرلمان القادم , فمن أجل الحصول علي رمز إنتخابي "علي المزاج" تسابق وتزاحم كل مرشح لتكون له أسبقية تقديم أوراقه للحصول علي هذا الرمز الذي يبتغيه وفق القواعد المقررة للحصول علي الرموز الإنتخابية بأسبقية تقديم أوراق الترشيخ لكل مرشح , مما أدي إلي حدوث هذه المشاجرات والصدامات والتلاسن والتنابذ وغلظة القول أمام مقرات 27 محكمة تمثل محافظات مصر لتلقى أرواق الفردى.
.
نأتي إلي مستقبل البرلمان القادم , فكل الدلائل تشير إلي أنه سيكون برلمانا سيئا متنافرا متناحرا , لأسباب عديدة نجملها فيما يلي:
- وجود الأحزاب الدينية وعلي رأسها حزب النور الذي يدخل بكل ثقله متحالفا مع باقي الأحزاب الدينية آملا في الحصول علي أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة او علي الأقل الحصول علي الثلث المعطل , وعنئذ سيعيد التاريخ نفسه ونشاهد المهاترات والإشتباكات بين التيار الديني صاحب الأغلبية من جهة والتيار المدني المعارض من جهة أخري داخل البرلمان كما كان أيام الإخوان.
.
- الأحزاب المدنية أحزاب كثيرة جدا ولكنها مفتتة غير مؤثرة ومتنافرة لا تجمعهم رغبة في خلق كيان إنتخابي موحد قوي في الشارع المصري يتصدي للأحزاب الدينية المتكتلة , حتي حزب الوفد بتاريخه الطويل عاجز عن لم الشمل فيما بين أعضائه فكيف يخوض إنتخابات بهذا الزخم الديني المسيطر.
.
- %40 ممن لهم حق التصويت يتسمون بالأمية الأبجدية ومازالوا ينتخبون بالرموز كالجردل والكوز , الأمر الذي يعطي الصلاحية والقوة للعصبيات القبلية وسطوة العائلة خصوصا في صعيد مصر , وتدلنا نتائج الإنتخابات البرلمانية السابقة علي حصول التيار الديني في صعيد مصر علي نسب عالية من التصويت من قبل هؤلاء البسطاء الذين تسيطر عليهم فكرة الولاء والطاعة للشيخ والإمام في حلقات الدرس بالمساجد والزوايا.
.
- ما زالت فكرة نواب الخدمات عالقة في الأذهان متمكنة من النفوس التواقة إلي خدمة ما من هنا أو هناك , من أجل ذلك يجتهد المرشح في حملته الإنتخابية ويركز في دعايته علي توصيل فكرة أنه مرشح للبرلمان كي يخدم أهل دائرته ويوفر لهم كل متطلباتهم ورغباتهم , ولذلك ترسخ في الأذهان مقياس كفاءة المرشح فيما ينجزه من هذه المطالب وليس فيما يقدمه من مشاريع قوانين تعود بالنفع علي كل المصريين , وكثير من النواب سعداء بذلك لأن هذا الأمر يزيح عن كاهلهم الخوض في مناقشة القوانين والتشريعات المعروضة أو طرح طلبات الإحاطة أو الإستجوابات حول عمل الوزراء أو الحكومة بشكل عام , لأنهم في الأصل غير مؤهلين لهذا الأمر , إما لأنهم جاهلون وإما لأنهم يأثرون السلامة ما دام الوزراء يلبون طلباتهم لأهل دائرتهم.
.
- أما نواب التكتل الديني فلهم مسلك أخر داخل البرلمان القادم , فهم لا يأبهون بخدمة أهل دوائهم بقدر ما يهتمون بتطبيق الشريعة علي الطريقة الوهابية الداعشية وصولا لقيام الخلافة الإسلامية التي تتداعب خيالهم وتستحوذ علي أذهانهم وتأتيهم في أحلامهم , وبذلك تعود مصر إلي المستنقع التي كانت فيه إبان حكم الإخوان , لأن الإخوان والسلف صنوان أي هم من طينة واحدة وفكر تكفيري واحد , ولا ننس أن السلفيين كانوا يملؤن ساحات رابعة العدوية تضامنا مع الإخوان بل هي أخوة وتوأمة لا شك فيها.
.
- القول أن الشعب المصري قد وعي الدرس ولن يعود لعصر الليمون (هم أولئك الذين عصروا الليمون وإنتخبوا مرسي كناية في شفيق المحسوب علي النظام العسكري) أقول لهؤلاء الذين يعتقدون ذلك أن رأيكم جد محترم لأنه ليس هناك داع لعصر ولو ليمونة واحدة , ولكن في نفس الوقت أقول أنه ليس كل الذين إنتخبوا مرسي كانوا ممن عصروا الليمون ولكن النسبة الأكبر كانت من أصحاب العاطفة الدينية الجياشة والرغبة المشروعة في دخول الجنة فيما لو أنهم أنتخبوا أولئك أصحاب اللحي والعباءات الدينية بإعتبارهم رجال صدفوا ما عاهدوا الله عليه وبالتالي سيصلحون الدين والدنيا , هذا الفكر مازال هو الفكر المتأصل المسيطر علي عقول أكثرية المصريين المتدينين بطبيعتهم وبنقاء سريرتهم , وكما هو معلوم فإن الفكر يستحيل إستبداله خصوصا إذا كان فكرا دينيا غير مستنير تأججه عاطفة دينية قوية تسكن القلوب وتسيطر علي النفوس تقربا إلي المولي عز وجل وهي التي تدفع الشباب بالتضحية بحياته كي يقتل الآخرين الكفرة أبناء دينه ووطنه كما علمه شيخه المطاع إبتغاء الإستمتاع بنسائم الجنة والعين الحور حين يلقي حتفه , ولا يدرك أنه بذلك مات منتحرا كافرا ومات آثما لأنه قتل النفس التي أعز عند الله من الكعبة المشرفة.
.
- البرلمان القادم يتمتع بصلاحية غير مسبوقة أقرها له دستور لجنة الخمسين برئاسة عمرو موسي وأعضاء من السلف ومن الإخوان المنشقين ومن الأزهر أخواني الهوي , هذا الدستور أعطي صلاحيات عزل رئيس الجمهورية بشروط لا داع لذكرها هنا لعدم الإطالة , مما جعل البرلمان القادم علي صفيح ساخن بسبب الصدام المحتمل بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان لأن الدستور ذاته أعطي الرئيس حق حل البرلمان أيضا ووفق شروط أيضا.
.
مصر تخوض إمتحانا صعبا خلال الشهرين القادين حتي ينعقد البرلمان الجديد , فإما تنجح مصر بوعي وفطنة ناخبيها وإما تسقط بغباء وجهل ناخبيها وعنئذ تعود عقارب الساعة إلي الوراء في إنتظار ثورة ثالثة لا قدر الله.
