سيري القاريء الكريم في هذا الفصل كم من آلاف الخلق قتلت بما فيهم الخليفة الآتي ذكره , وهو الأمر الذي يعكس مآسي الخلافة كنظام للحكم , وهو ما يؤكده كتابي هذا بالبراهين والأسانيد وتاريخ ومراجع الأولين.
.
دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل الثاني عشر/ خلافة المستعين بالله بن المعتصم بن الرشيد - الخليفة العباسي الثاني عشر
.
من هو الخليفة العباسي المستعين بالله؟...
هو أحمد بن المعتصم بن الرشيد , وهو أخو المتوكل والواثق وأمه ام ولد صقلية اسمها مخارق ولد سنة 220هـ , كان مليحاً أبيض بوجهه أثر الجدري ألثغ. كان خيراً فاضلا بليغاً أديباً.
قال جلال الدين السيوطي في كتاب (تاريخ الخلفاء)أن المستعين هو أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة فجعل عرضها نحو ثلاثة أشبار وصغر القلانس ( لباسٌ للرأْس مختلف الأَنواع والأَشكال) وكانت قبله طوالا.
.
توليه الخلافة
لما قتل الخليفة المنتصر، اتفق كبراء الدولة مثل بغا الكبير، وبغا الصغير، وأتامش الأتراك، ومحمد بن الخصيب، على تولية المستعين وكرهوا أن يولوا بعض ولد المتوكل، لكونهم قتلوا المتوكل، فبايعوا المستعين ليلة الاثنين 25 من ربيع الأول سنة 248هـ. وبعض المراجع تذكر 6 من ربيع الآخر، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، ويكنى أبا العباس.
علي أية حال تمت مبايعة المستعين بن المعتصم بالخلافة, وقام الجنود بحبس اولاد المتوكل خاصة الزبير المعتز وابراهيم المؤيد و طلحة الموفق.
.
حدث في عهده
قال إبن كثير في كتابه "البداية والنهاية" في سنة 248 هـ بلغ المستعين خبر بوفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عبد الله أمير خراسان، في رجب، فعقد المستعين لولده محمد بن طاهر على خراسان. وفيها مات بغا الكبير. فجعل المستعين ابنه موسى بن بغا مكانه. وفي هذه السنة شغب أهل حمص على كيدر عاملهم، فأخرجوه عنهم. وفي هذه السنة تحرك يعقوب ابن الليث الصفار من سجستان، نحو هراة. وفيها توفي محمد ابن العلا الهمداني، وكان من مشايخ البخاري ومسلم.
.
وفي سنة 249 هـ كان بين المسلمين والروم وقعة بمرج الأسقف. قتل فيها مقدم العسكر، وهو عمر بن عبد اللّه الأقطع، وكان من شجعان المسلمين وانهزمت المسلمون وقتل منهم جماعة، وخرجت الروم، فأغاروا إلى الثغور الجزرية , وفي هذه السنة شغبت الجند، الشاكرية والعامة، ببغداد، على الأتراك، بسبب استيلائهم على أمور المسلمين، يقتلون من شاءوا من الخلفاء ويستخلفون من أحبوا من غير ديانة، ولا نظر للمسلمين، ثم وقعت في سامراء فتنة من العام وفتحوا السجون وأطلقوا ما فيها، ثم ركبت الأتراك وقتلوا من العامة جماعة وسكنت الفتنة , وفي هذه السنة ثارت الموالي بأتامش، فقتلته، ونهبوا من داره أموالاً جمة، لأن المستعين كان قد أطلق يد أتامش، ويد والدته، أعني والدة المستعين، ويد شاهك الخادم، في بيوت الأموال، فكانوا يأخذون الأموال من دون غيرهم، فقتل أتامش بسبب استيلائه على الأموال.
.
وفي سنة 250 هـ ظهر يحيى عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا الحسين، بالكوفة، وكثر جمعه، واستولى على الكوفة، ثم جهز إليه محمد بن عبد الله بن طاهر جيشاً، فخرج إليهم يحيى بجمعة، فقتل يحيى وانهزم أصحابه، وقتل منهم جماعة وحمل رأسه إلى المستعين، ثم في هذه السنة ظهر الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بطبرستان، وكثر جمعه واستقل بملك طبرستان، ويسمى بالداعي إلى الحق، وبقي مستولياً حتى قتل في سنة سبع وثمانين ومائتين، وقام بعده الناصر الحسن بن علي. وفي هذه السنة وثب أهل حمص على عاملهم، وهو الفضل بن قارن أخو مازيار فقتلوه، فأرسل المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير، فحاربوه بين حمص والرستن، فهزمهم وافتتح حمص، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وأحرقها.
.
كان المستعين في بداية عهده ضعيفا امام الجند خاصة امام القائدين وصيف وبغا, الى ان استطاع ان يقتلهم.
قال ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف): لم يزل مقيماً بسر من رأى إلى أن قتل وصيف وبغا.
.
الانتقال الى بغداد
قام المستعين بالانتقال الى بغداد لما احس بعزم جند سامراء على الفتك به بعد قيامه باعدام وصيف وبغا ونفي باغر, وما شجعه على الانتقال الى بغداد هو تأييد جند بغداد له.
قال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): وقعت فتنة شنعاء بين جند بغداد وجند سامرا، ودعا أهل سامرا إلى بيعة المعتز، واستقر أمر أهل بغداد على المستعين، وأخرج المعتز وأخوه المؤيد من السجن فبايع أهل سامرا المعتز, وأمر المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر أن يحصن بغداد ويعمل في السورين والخندق، وغرم على ذلك ثلاثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار، ووكل بكل باب أميراً يحفظه، ونصب على السور خمسة مناجيق، منها واحد كبير جداً، يقال له الغضبان، وست عرادات وأعدوا آلات الحرب والحصار والعدد، وقطعت القناطر من كل ناحية لئلا يصل الجيش إليهم.
قال جلال الدين السيوطي في كتاب (تاريخ الخلفاء): أرسلوا إليه يعتذرون ويخضعون له ويسألونه الرجوع فامتنع.
.
خروج المعتز من السجن وتمرده.
بعد ان رفض المستعين العودة الى سامراء قام الجند باخراج المعتز واولاد المتوكل من السجن وبايعوا المعتز بالخلافة, وبهذا بدأت حرب جديدة بين المستعين في بغداد وكان قائد جيشه بن طاهر, والمعتز في سامراء وكان قائد جيشه اخيه ابو احمد الموفق طلحة , ودام القتال أشهراً وكثر القتل وغلت الأسعار وعظم البلاء وانحل أمر المستعين فسعوا في الصلح فخلع المستعين نفسه وأشهد عليه القضاة في 4 محرم 252هـ , وأرسل المعتز إلى أحمد بن طولون أن يذهب إلى المستعين فيقتله فقال والله لا أقتل أولاد الخلفاء.
.
مقتل المستعين
لما رفض أحمد بن طولون أن يذهب إلى المستعين ليقتله فندب المعتز له سعيد الحاجب فذبحه في ثالث شوال من سنة 252ه الموافق 17/10/866م, وكان عمره 31 سنة.
.
المراجع:
البداية والنهاية لإبن كثير
(تاريخ الخلفاء) لجلال الدين السيوطي
(التنبيه والاشراف) لأبي الحسن المسعودي