مقالة للكاتب/ عبد المنعم الخن
الحد الأدني الذي أقرته الحكومة مؤخرا بمبلغ 1200 جنيه لن يحقق العدالة الإجتماعية التي نادت بها ثورة 25 يناير من عام 2011 وتوابعها في 30 يونيه و 3 يوليو و 26 يوليو من عام 2013 وذلك لأن العدالة الإجتماعية هي إستراتيجية متكاملة أحد عناصرها تضييق الفجوة في حصول المواطنين علي نصيبهم من
الدخل القومي وهو ما يتمثل في الأجور والتعليم والعلاج والأمن وخدمات المرافق والفن , وفي المجمل رفاهية الحياة بشكل عام ,
الزيادة التي طرأت علي أجور ورواتب بعض العاملين في الجهاز الحكومي والذين يقل دخلهم عن 1200 جنيه لن يشعروا بأي تحسن في دخلهم الحقيقي , واقصد هنا بالدخل الحقيقي بالتعريف الإقتصادي لدخل الفرد وليس التعريف الإسمي أو النقدي ولتوضح هذا الكلام يتعين أن أشرح ما هو الدخل الإسمي أو النقدي من ناحية , والدخل الحقيق من ناحية أخري.
الدخل الإسمي:
هو وحدات النقد أو البنكنوت ورقيا أو معدنيا والتي هي في أيدي الأفراد وهؤلاء الأفراد ماذا يفعلون بالدخل النقدي هذا؟ أنهم يحولونه إلي سلع وخدمات هم في حاجة إليها لإستمرار الحياة المعيشية اليومية , وهذه السلع والخدمات تحتاج إلي دخل نقدي أي بنكنوت عند الشراء , وهذا هو تعريف الدخل النقدي إقتصاديا.
الدخل الحقيقي:
هو مقدار ما تتحصل عليه وحدة النقد أو ما يساوي هذه الوحدة من السلع والخدمات آنفة الذكر , ووحدة النقد في مصر هي الجنيه وفي أمريكا هي الدولار وهكذا , ولكي يشعر المواطن بزيادة دخله النقدي لا بد أن تتزامن معه زيادة في المعروض من السلع والخدمات بنفس المقدار , أما إذا كان المعروض علي حاله لا زيادة فيه فمعني ذلك أن الدخل النقدي لن يتحصل علي أي زيادة من السلع والخدمات وستظل الكمية التي كان يحصل عليها قبل الزيادة هي نفسها بعد الزيادة , وأضرب مثالا لتوضيح الفكرة: هب أن دخلك النقدي قبل الزيادة كان 720 جنيه وكنت تشتري بهم كمية معينة من السلع والخدمات ونرمز لهذه الكمية بالرمز "ص" مثلا , وهنا إذا ذهبت إلي السوق بعد الزيادة النقدية لتشتري نفس الكمية "ص" التي تعودت أن تشتريها فسوف تفاجأ بأن الكمية "ص" تحتاج إلي مبلغ نقدي 1200 جنيه بدلا من 720 جنيه , لماذا؟ لأن الزيادة في الدخل النقدي لم تجد نفس الزيادة في السلع والخدمات المعروضة في الأسواق , والزيادة هنا التي تتحملها من دخلك النقدي هو ما يعرف بنسبة التضخم , أي إرتفاع الأسعار لزيادة الطلب نتيجة زيادة البنكنوت في إيدي المستلكين مع بقاء حجم المعروض من السلع والخدمات كما هو لم يطرأ عليه أي زيادات تتزامن مع الزيادة في الدخل النقدي. أما إذا كانت السلغ والخدمات قد تم زيادتها بنفس نسبة الزيادة النقدية آنفة الذكر , وهو ما كان ينبغي , هنا يشعر المواطن المستهلك بزيادة دخلة الحقيقي الذي يترجم إلي سلغ وخدمات هو في مسيس الحاجة إليها
للأسف كانت الزيادة خدعة لأنها مجرد أوراق بنكنوت أكلتها نار التضخم الذي وصلت نسبته في بعض السلع إلي 100% , ولولا أني لا أريد أن أشق علي قارئي العزيز بطول المقال لذكرت عددا من بعض هذه السلع التي تجاوزت فيها نسبة الزيادة أو التضخم 50%
وهنا أطرح السؤال الملح هل بعد ذلك الشرح يكون إقرار الحد الأدني للأجور قد حقق العدالة الإجتماعية مع أخيه غير الشقيق وهو الحد الأقصي الذي حددوه بــ 32 ضعفا من الحد الأدني في الوقت الذي لا يتجاوز هذا الحد 14 ضعفا في الدول المحترمة؟ , وياليتهم أكتفوا بذلك ولكن الهوي وما أدراك ما الهوي جعلهم يستثنون العاملين في شركات البترول والبنوك وما شابه وكأن هؤلاء يعملون في دولة المريخ.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل بعد قيام ثورتين عظيمتين وآلاف الشهداء والأرواح التي صعدت إلي بارئها وآلاف المصابين وكثير منهم يعانون من العاهات المستديمة وعدم القدرة علي العمل , بالإضافة إلي تخريب المنشآت العامة والخاصة , أفبعد هذا كله نأتي بمفهوم يختزل العدالة الإجتماعية في زيادة مزعومة في الأجور؟ , لا والله ليس هذا هو مفهوم العدالة الإجتماعية الذي أراده الثوار , إن العدالة الإجتماعية أوسع فهما وأعمق معني من ذلك.
وخير ختام كلام رب العالمين الرحمن الرحيم { ربنا أتينا من لدنك رحمة وهييء لنا من أمرنا رشدا } جزء من آية 10 من سورة الكهف