ستقرأون في هذا الفصل الـ 24 كيف كان الخليفة العباسي الرابع والعشرون والملقب بالطائع لله, قد سيطر عليه عضد الدولة ثاني ملوك بني بويه (وهي الدولة البويهية الشيعية التي تأسست في الجزء الغربي من إيران وفي العراق), حتي أصبحت عاصمة الخلافة عاصمة لبني بويه، وخُطب له على منابرها إلى جانب الخليفة العباسي. ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل الخليفة الطائع تزوج من إبنة عضد الدولة لخشيته منه في الوقت الذي كان فيه عضد الدولة يدبر من وراء هذا الزواج أمرا يحدث مستقبلا , يقوم علي أن يرزق الخليفة ولدا من إبنته (إبنة المعتضد) فيولي العهد وتصير الخلافة في بيت بنى بويه ويصير الملك والخلافة مشتملين على الدولة الديلمية, و"ديلم" هي تسمية جغرافية لبلاد تقع شمالي بجر قزوين, واتخذ الديالمة الذين سكنوا ديلم اسمهم من هذه المنطقة من الأرض.. تابعونا
.
دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل الرابع والعشرون/ خلافة ابو بكر عبد الكريم بن المطيع بن المقتدره الملقب بالطائع لله)
.
من هو الخليفة الطائع الله؟...
هو ابو بكر عبد الكريم بن المطيع بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن محمد المعتصم, وهو الخليفة العباسي الرابع والعشرون, ولد في بغداد في عام 320ه وتوفي في عام 393ه, وامه هي هزار الرومية, ودامت خلافته من عام 363ه الموافق 974م الى ان خلع في عام 381ه, وكان اقوى من ابيه المطيع, حاول ان يقضي على نفوذ الشيعة لكنه فشل رغم نجاحه في البداية.
.
صفاته الجسدية
قال ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء):كان أشقر مربوعا كبير الأنف.
.
توليه الخلافة:
تنازل له أبوه الخليفة المطيع عن الخلافة بسبب اصابته بالفالج (الشلل) وتولى في 13 ذي القعدة 363ه الموافق 5/8/974م، وعمره حينها 43 سنة.
.
ولاء عضد الدولة للخليفة وخضوع الخليفة لعضد الدولة:
عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة (325هـ - 372هـ) ثاني ملوك بني بويه , وحكم من 339هـ - 372هـ.
برز عضد الدولة بعد وفاة عمه عماد الدولة، حيث خلفه في حكم أصفهان وشيراز وبلاد الكرج، وتطلعت طموحاته إلى الاستيلاء على العراق التي كانت تحت يد ابن عمه بختيار بن معز الدولة، لكنها كانت تصطدم بيقظة أبيه ركن الدولة الراغب في أن يعم السلام أسرة بني بويه، فلما توفي في سنة (365هـ - 976هـ) آلت رئاسة البيت البويهي إلى ابنه عضد الدولة، وانفتح الباب أمامه لانتزاع العراق من ابن عمه بختيار، فزحف إليه، واشتعلت بينهما عدة معارك انتهت لصالح عضد الدولة، وتمكن من القبض على بختيار وقتله في سنة (367هـ = 978م)، واستولى على ما تحت يديه، واستقر في بغداد، وأصبحت عاصمة الخلافة عاصمة لبني بويه، وخُطب له على منابرها إلى جانب الخليفة العباسي.
.
وبعد ذلك شرع في مواصلة سياسة التوسع الإقليمي، فاستولى على الموصل وديار بكر وديار ربيعة وما حولها من الحمدانيين، وضم الأقاليم الخاضعة لأخيه فخر الدولة بسبب وقوفه إلى جانب بختيار، فاستولى على همدان والري وما بينهما من البلاد، وبسط نفوذه إلى بلاد جرجان وطبرستان، فتعاظم بذلك نفوذ عضد الدولة وذاع صيته، وخلع عليه الخليفة الطائع العباسي ما لم يخلعه على غيره، ولقبه بالملك وبتاج الملك، وأمر أن يُخطب له على منابر بغداد، فكان أول من خطب له بعد الخلفاء.
.
عضد الدولة عرف برعايته للعلماء و احسانه على الفقراء ، وفد عليه كثير من الشعراء منهم أبو الطيب المتنبي . كان عضد الدولة ملكا فطنا و ذا تدبير وطموح , ومن تدابيره في جمع الخلافة و الملك في آن واحد . فزوج إبنته الكبري للخليفة الطائع لله في بغداد على صداق مائة ألف دينار وكان الوكيل عن عضد الدّولة أبو علي الفارسي النّحوي, وذلك لأن عضد الدولة كان متطلعا لمستقبل يقوم علي أن يرزق الخليفة ولدا من إبنته (إبنة المعتضد) فيولي العهد وتصير الخلافة في بيت بنى بويه ويصير الملك والخلافة مشتملين على الدولة الديلمية.
.
وذكرت بعض المراجع مثل جلال الدين السيوطي في كتاب (تاريخ الخلفاء): أنه في سنة 369هـ عندما إذن للمعتضد بالدخول علي الخليفة الطائع لله قبل الأرض فاستاء قائد الجند زياد لذلك , وقال لعضد الدولة: ما هذا أيها الملك أهذا هو الله فالتفت إليه وقال هذا خليفة الله في الأرض ثم استمر يمشي ويقبل الأرض سبع مرات فالتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال: أجعله يقترب فصعد عضد الدولة فقبل الأرض مرتين فقال له: ادن إلي فدنا وقبل رجله وأمره الطائع بالجلوس على الكرسي بعد أن كرر عليه اجلس وهو يستعفي فقال له: أقسمت عليك لتجلسن فقبل الكرسي وجلس.
.
خلع الطائع ثم وفاته:
قيل في سبب خلع الطائع - وهو عبدالكريم أبو بكر- عدة أشياء منها أنه عجز عن دفع مصاريف الجند ومنها أنه بسجنه للشيخ المفيد سبب ذلك جفوة بينه وبين بهاء الدولة أبو نصر فيروز بن عضد الدولة، وقيل غير ذلك، فكان خلعه حين جاء بهاء الدولة إلى دار الخلافة وقد جلس الطائع متقلداً سيفاً. فلما قرب بهاء الدولة قبل الأرض، وتقدم أصحابه فجذبوا الطائع بحمائل سيفه وتكاثروا عليه ولفوه في كساء، وحمل في زبزب (نوع من السفن الشراعية) . في نهر الدجلة وصعدوا به إلى دار بهاء الدولة . وارتج البلد، ونهبت دار الخلافة، وماج الناس، إلى أن نودي بخلافة القادر. ولم يجد الطائع بدا من تحرير كتاب بخلع به نفسه، وأنه سلم الأمر إلى القادر بالله، فأحدث الجند شغبا يطلبون رسم البيعة كما كان معتادا ، ومنعوا الخطبة باسم القادر، ثم أرضوهم فسكنوا، وأقيمت الخطبة للقادر في الجمعة التالية ، والقادر هذا هو ابن عم الطائع المخلوع . واسمه أحمد، وكنيته أبو العباس ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة جعفر المقتدر, ولما حمل الطائع إلى دار بهاء الدولة أشهد عليه بالخلع، وكان مدة خلافته سبع عشرة سنة وثمانية شهور وستة أيام، وحمل إلى القادر بالله لما ولي الخلافة، فبقي عنده إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ليلة الفطر، وصلى عليه القادر بالله، وكبر عليه خمساً.
.
المراجع:
ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء)
جلال الدين السيوطي في كتاب (تاريخ الخلفاء)
ابن الأثير في كتاب (الكامل في التاريخ)
ابن خلكان في كتاب (وفيات الأعيان)