ستقرأون في هذا الفصل الـ 25 من الباب الثاني - الخلافة العباسية - كيف كان هذا الخليفة الخامس والعشرون والملقب بالقادر بالله مجرد أميراً عادياً بعيداً عن السياسة متفرع لتعلم الفقه والشرع, فلم يكن متوقع ان يكون الخليفة الذي سيأتي بعد الخليفة الطائع المخلوع, ولكن ما حول هذا المسار هو وفاة والده إسحاق بن المقتدر وحصول نزاع على احدى الضيع بين احمد بن اسحاق وبين اخته آمنة, فتقوم آمنة بتلفيق تهمة لأخيها أحمد فتذهب للطائع وتخبره بأن الامير احمد بن اسحاق تآمر عليه ساعيا للحصول على الخلافة, فيأمر الطائع بالقبض على احمد, لكن احمد يستطيع الهرب, وتدور الايام ويأتي يوم خلع الطائع من الخلافة, فيقوم المتآمرون بالبحث عن اكثر الامراء العباسيين عداوة للطائع فيجدون ضالتهم في الامير الهارب احمد بن اسحاق, فيرسل له طلباً لأن يأتي ليتولى الخلافة.
.
وهكذا ترون عجائب القدر انه لولا الوشاية الملفقة لأخت القادر لما اصبح القادر خليفة, قال تعالى: ((وَعسَى أن تَكرَهُوا شَيْئًا وَهُو خيرٌ لَكُمْ وعَسى أن تُحبُّوا شَيْئًا وهُو شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعلمُ وأَنتُم لا تَعلَمونَ)) "البقرة:216" .. تابعونا
.
دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل الخامس والعشرون/ خلافة القادر بالله بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد)
.
من هو الخليفة القادر بالله ؟...
هو الخليفة القادر بالله أبو العباس أحمد ابن الأمير إسحاق بن المقتدر بن المعتضد العباسي البغدادي, الخامس والعشرون في ترتيب الخلفاء العباسيين, ولد سنة 336 هـ - 422 هـ/ 947 - 1031. أمه إسمُها تَمنى وقيل أيضاً دمنة وماتت في خلافته، وقد عجزت سنة تسع وتسعين وثلاثمائة, واستمرت خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر, وتوفي ليلة الإثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة 422 للهجرة عن سبع وثمانين سنة.
.
سماته وصفاته:
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء": كان أبيض كث اللحية يخضب، عالما متعبدا وقورا ، من جلة الخلفاء وأمثلهم ، عده ابن الصلاح في الشافعية ، تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي .
وقال الخطيب البغدادي في كتابه "الفقيه والمتفقه": كان من الدين وإدامة التهجد ، وكثرة الصدقات وقد أشتهر بهذه الصفة , وتفقه على يد أبي بشر الهروي الشافعي .
وصنف كتابا في الأصول ، ذكر فيه فضل الصحابة، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار من قال : بخلق القرآن ، وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث ، ويحضره الناس مدة خلافته ، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر.
.
توليه الخلافة:
تولى الخلافة بعد خلع إبن عمه الخليفة الطائع في 19 شعبان 381هـ الموافق 31/10/991م, وتمت مراسم البيعة بعد وصول احمد القادر بالله الى بغداد من البطيحة التي هرب اليها واختبأ بها مدة سنتين, وتمت المراسم في 10رمضان سنة 381هـ . فأحدث الجند شغبا يطلبون رسم البيعة كما كان معتادا ، ومنعوا الخطبة باسم القادر، ثم أرضوهم فسكنوا، وأقيمت الخطبة للقادر في الجمعة التالية , وعهد الخليفة الجديد لبهاء الدولة بتدبير أمور الخلافة في 381هـ
.
كان القادر خليفة ورع متدين الف عدد من الكتب الدينية, واصدر وثيقة الاعتقاد القادري التي بينت بشكل واضح طبيعة الدين الاسلامي المتمثل في مذهب اهل السنة والجماعة ونقض مذهب الشيعي والمعتزلي والجهمي, كما ان القادر من اعظم الخلفاء العباسيين.
.
قال أبو شجاع ظهير الدين الروذراوري في كتاب (ذيل تجارب الامم): سلك من طريق الزهد والورع ما تقدمت فيه خطاه، فكان راهب بني العباس حقاً، وزاهدهم صدقاً ساس الدنيا والدين، وأغاث الإسلام والمسلمين، واستأنف في سياسة الأمر طرائق قويمة، ومسالك مأمونة، لم تعرف منه زلة، ولا ذمت له خلة، فطالت أيامه، وطابت أخباره، وأقفيت آثاره، وبقيت على ذريته الشريفة أنواره.
.
قال ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتاب (سير اعلام النبلاء): كان دينا عالما متعبدا وقورا، من جلة الخلفاء وأمثلهم، عدَّه ابن الصلاح في الشافعية
.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في كتاب «التاريخ الصغير» أن القادر كان يلبس زي العامة ، ويقصد الأماكن المباركة
.
في سنة 383هـ تزوج القادر بالله سكينة بنت الملك بهاء الدولة
وفي سنة 391هـ عقد القادر بولاية العهد لابنه الغالب بالله ، وهو في تسع سنين ، وعجل بذلك ; لأن شخصا يدعي الخطيب الواثق سار إلى خراسان وزور كتابا من القادر بأنه ولي عهده ، واجتمع ببعض ملوك الولايات فأيدوه ، وخطب له علي المنابر بعد القادر ، إلا أن رسولا أتي إلى القادر يخبره بما فعل الخطيب الواثق فأمر الخليفة القادر رجاله بالتصدي له حتي ثبت فسق الواثق المنشق وبعد ذلك مات غريبا .
وقبل ذلك في سنة 387هـ مات فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه بالري، وكان الخليفة السابق "الطائع" قد لقبه ملك الأمة ، عاش ستا وأربعين سنة، وكانت دولته أربع عشرة سنة ، وترك ألفي ألف دينار وثمانمائة ألف دينار ، ومن الجواهر ما
قيمته ثلاثة آلاف ألف ، ومن آنية الذهب ما وزنه ألف ألف ، ومن آنية الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ، ومن فاخر الثياب ثلاثة آلاف حمل ، وكانت خزائنه على ثلاثة آلاف وخمسمائة جمل.
.
في سنة 420هـ قام الخليفة القادر بالله بتأليف كتاب يتضمن تفاصيل مذهب السنة والطعن على الشيعة والمعتزلة والجهمية وإيراد الأخبار عن النبي (ص) والصحابة, وذللك من اجل اظهار الاسلام المتمثل في المذهب السني والقضاء على المذاهب الضالة التي الصقت نفسها بالاسلام, وامر ان يقرأ هذا الكتاب في دوائر الحكم والمساجد والمجالس, وان يستتاب كل من يخالف هذه الوثيقة من الشيعة والمعتزلة والجهمية, وان يقرأ على الناس في المشاهد والمجامع العامة, وفي المساجد والجوامع, وعند حدوث الإضطرابات والنزاعات العقدية, واستمر الحال على ذلك سنين عديدة وتعتبر هذه الوثيقة هي الخطوة الكبرى في تحقيق هدف القادر في اعادة القوة للمسلمين, وادى هذا العمل الى تطهير اجهزة الدولة من هذه المذاهب, والقضاء على النفوذ الشيعي, والقضاء بشكل تام على المذهب المعتزلي لواصل بن عطاء والمذهب الجهمي لجهم بن صفوان.
.
وفاته:
توفي الخليفة القادر في 11 ذي الحجة 422هـ الموافق 29/11/1031م, وتولى الخلافة ابنه عبد الله القائم بأمر الله الذي صلى عليه ، وكبر عليه أربعا ودفن في الدار ، ثم بعد عشرة أشهر نقل تابوته إلى الرصافة، وعاش سبعا وثمانين سنة سوى شهر وثمانية أيام وما بلغ أحدا من خلفاء هذه الأمة هذا السن ، حتى ولا عثمان - رضي الله عنه.
.
المراجع:
إبن كثير في كتابه (البداية والنهاية)
الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء)
أبو شجاع ظهير الدين الروذراوري في كتاب (ذيل تجارب الامم)
محمد بن عبد الملك الهمذاني في كتاب (التاريخ الصغير)