دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل الحادي عشر/ خلافة المنتصر بالله بن المتوكل - الخليفة العباسي الحادي عشر)
.
من هو الخليفة العباسي المنتصر بالله؟....
هو محمد المنتصر بالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد (حكم247-248هـ). وهو الخليفة العباسي الحادي عشر, ولد في سامراء في عام 222ه الموافق 836م وأمه أم ولد رومية اسمها حبشية ـ ويُعَدُّ عهد الخليفة المنتصر هو بداية عصر ضعف الدولة العباسية.
سماته وصفته
كان مليح الوجه، أسمر، أعين، أقنى، ربعة، جسيماً، بطيناً، مليحاً، مهيباً، وافر العقل، راغبا في الخير،قليل الظلم، محسناً إلى العلويين , أظهر العدل والإنصاف في الرعية فمالت إليه القلوب مع شدة هيبتهم له وكان كريماً حليماً , وأمر الناس بزيارة قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأمن العلويين، وكانوا خائفين أيام أبيه.
قال ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف): كان مربوعاً حسن الوجه أسمر مسمناً.
وقال ابن الأثير في كتاب ( الكامل في التاريخ): كان المنتصر عظيم الحلم ، وراجح العقل ، غزير المعروف ، راغباً في الخير جواداً كثير الإنصاف ، حسن العشرة.
توليه الخلافة
قد ذكرنا في الفصل العاشر أن المنتصر قد تمالأ هو وجماعة من الأمراء على قتل أبيه، وحين قتل بويع له بالخلافة في الليل، فلما كان الصباح من يوم الأربعاء 4 شوال سنة 247هـ حضر الناس والقواد والعساكر إلى قصر الجعفري، فخرج أحمد بن الخصيب إلى الناس، وقرأ عليهم كتاباً من المنتصر، أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتلته به، فبايع الناس المنتصر، صبيحة الليلة، التي قتل فيها المتوكل.
وفي ثاني يوم من خلافته: ولى المظالم لأبي عمرة أحمد بن سعيد، مولى بني هاشم فقال الشاعر:
يا ضيعة الإسلام لماّ ولي * مظالم الناس أبو عمره
صيِّر مأمونا على أمة * وليس مأمونا على بعره
وكانت البيعة له بالمتوكلية، وهي المأحوزة، فأقام بها عشرة أيام، ثم تحول هو وجميع قواده وحشمه منها إلى سامرا.
وفي هذه السنة توفي العباس أمير صقلية، فولى الناس عليهم ابنه عبد الله ابن عباس، ثم ورد من إفريقية خفاجة بن سفيان أميراً على صقلية، فغزا وفتح في جزيرة صقلية، ثم اغتاله رجل من عسكره، فقتله وهرب القاتل إلى المشركين، ولما قتل خفاجة استعمل الناس ابنه محمد بن خفاجة، ثم أقره على ولايته محمد بن أحمد بن الأغلب صاحب القيروان، وبقي محمد بن خفاجة أميراً على صقلية إلى سنة سبع وخمسين ومائتين، فقتله خدمه الخصيان وهربوا، فأدركهم الناس وقتلوهم.
ومن الروايات التي قيلت : إنه جلس في بعض الأيام للهو، وقد استخرج من خزائن أبيه فرشا، فأمر بفرشها في المجلس، فرأى بعض البسط دائرة فيها فارس وعليه تاج وحوله كتابة فارسية، فطلب من يقرأ ذلك، فأحضر رجل ، فنظره، فقطب ، فقال:ما هذه؟ قال: لا معنى لها،فألح عليه،فقال: أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز ، قتلت أبي فلم أتمتع بالملك إلا ستة أشهر، فتغير وجه المنتصر، وأمر بإحراق البساط , وفي عهده مات أبو عثمان المازني النحوي شيخ النحاة في زمانه سنة 247 هـ , ومات أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد الجشمي النحوي اللغوي صاحب المصنفات سنة 248 هـ الكثيرة.
ما قيل في براءة المنتصر من قتل أبيه المتوكل
ذكر المؤرخ ابو عبد الله شمس الدين الذهبي في كتابه (سير اعلام النبلاء), الحوار الذي دار بين المنتصر وقاضي القضاة جعفر الهاشمي, عندما جاء الهاشمي ليبلغ المنتصر بوفاة والده المتوكل وتولي المنتصر للخلافة, وهذه القصة تدل على عدم معرفة المتصر بخبر القتل, وايضا ذكر قصة اخرى تدل على حقد المنتصر على قتلة ابيه والذي ادى الى مقتل المنتصر.
قال محمد بن علي بن العمراني في كتاب (الانباء في تاريخ الخلفاء): كان الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوكل أخا المؤيد لأمه يراصد يغلون الصغدي وكان أحد قتلة المتوكل. فوقف له يوما ينتظر دخوله إلى دار الخلافة فدخل فحين رآه ضربه بعمود حديد كان في يده فسقط ميتا وأنهى الخبر إلى المنتصر فقبض على أخيه وحبسه خوفا من الجند ثم أطلقه.
وفاة المنتصر
توفي في يوم الأحد الموافق 25 ربيع الأول سنة 248 هـ عن 26 سنة، فلم يتمتع بالخلافة إلا ستة أشهر ويومين , وقيل في سبب وفاته أنه لما ولي الخلافة صار يسب الأتراك ويقول: هؤلاء قتلة الخلفاء فعملوا عليه وهموا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً فطناً متحرزاً فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه ابن "طيفور" ثلاثين ألف دينار في مرضه فأشار بفصده ثم فصده بريشة مسمومة فمات , وذكرت بعض كتب التاريخ أنه مات بالذبحة، وكانت مدة علته ثلاثة أيام , وصلى عليه المستعين ودفن في الجوسق.
المراجع:
البداية والنهاية لإبن كثير
ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف)
ابن الأثير في كتاب ( الكامل في التاريخ)
محمد بن علي بن العمراني في كتاب (الانباء في تاريخ الخلفاء)
تامر الزغاري في كتابه العهد العباسي
تاريخ الخلفاء السيوطي