دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل الخامس عشر/ خلافة المعتمد علي الله
.
من هو الخليفة محمد المعتمد علي الله؟
هو الخليفة العباسي الخامس عشر , أحمد المعتمد علي الله أبو العباس إين المتوكل علي الله بن المعتصم بن الرشيد , وأمّه روميّة اسمها فتيان ولد في مدينة "سرَّ من رأى" (هذا هو الإسم القديم لمدينة سمراء) في 14 محرم 229ه الموافق 13/10/843م.
.
سماته وصفاته:
قال ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف): كان حسن الجسم كبير العينين طويلاً جسيماً طويل اللحية عظيم الهامة.
شل أخوه "أبو أحمد الموفق طلحة" يده عن مباشرة أمور الدولة حتى أصبح مسلوب الإرادة كما سيأتي ذكره.
.
توليه للخلافة:
تولى الخلافة بعد مقتل الخليفة المهتدي في 16 رجب 256ه الموافق 19/6/870م وكان حينها تحت الاقامة الجبرية في قصر الجوسق في سامراء , واعتلى العرش على أيدى الأتراك الذين أخرجوه من "الجوسق" الذى حبسه فيه المهتدى، وكان كما يقول السيوطى: "أول خليفة قهر وحجر عليه ووُكِّل به".
.
وكان هو وأخوه الموفق كالشريكين فى الخلافة، للمعتمد الخطبة والسكة (أي وضع إسمه علي النقود) والتسمى بلقب أمير المؤمنين ولأخيه طلحة الأمر والنهى، وقيادة العساكر، ومحاربة الأعداء، ومرابطة الثغور، وترتيب الوزراء والأمراء، وكان المعتمد مشغولا عنه بلذاته، وكان أخوه الموفق أمير جيوشه.
.
وأمام هذا الوضع الغريب لم يكن أمام المعتمد إلا أن يترضى الأتراك، ويصانعهم، وخاصة قائدهم موسى بن بغا، وقسم دولته بين ابنه جعفر وسماه المفوض وخصه بالبلاد الغربية، وضم إليه موسى بن بغا فحكمها باسمه، وولى أخاه أبا أحمد طلحة بعد ابنه المفوض، وسماه الموفق، وخصه بالبلاد الشرقية، وبذلك ضعفت الخلافة فى عهد المعتمد الذى أصبح مسلوب السلطة أمام أخيه الموفق والأتراك.
.
القضاء على النفوذ التركي
في عهد الخليفة المعتمد انتهى النفوذ التركي, ولم يحدث فجأة في عهد المعتمد بل كان نتيجة حروب طويلة بين الخلفاء والقادة الاتراك ابتداء من عهد الخليفة المستعين الى المعتز الى المهتدي, ثم تم تتويج تضحيات هؤلاء الخلفاء في عهد المعتمد على يد الموفق طلحة أخو الخليفة المعتمد.
.
حيث ان كل خليفة كان يقاتل الترك كان يقتل عدد من قادتهم ويضعفم ثم يتم قتل الخليفة فيستكمل الذي يليه المسيرة , حيث قام المستعين بقتل وصيف وبغا وغيرهم الى ان خلع و قتل ثم تولى المعتز فاضعف صالح بن وصيف وموسى بن بغا وازال جزءا من الاتراك واستبدلهم باقوام آخرين من المغاربة والفراغنة ثم قتل, ثم تولى المهتدي فقام المهتدي بقتل بايكباك وصالح بن وصيف ثم قتل المهتدي, وتولى المعتمد الخلافة ولم يبقى قائد تركي قوي الا موسى بن بغا فقط, واستطاع "الموفق طلحة" أخو الخليفة المعتمد ملىء فراغ القادة الاتراك بالاشتراك مع موسى بن بغا, وبقي الامر على هذا الحال الى ان توفي موسى بن بغا في عام 264هـ , فانفرد الموفق طلحة بالجيش وبالنفوذ وبهذا تم القضاء على النفوذ التركي.
.
وتذكر بعض كتب التاريخ أن المعتمد قام هو وأخوه الموفق ببث الخلافات بين نفوذ الأتراك لإعادة الخلافة العباسية إلى سابق عهدها كما فعل المهتدي بالله قبل خلعه ، وأثناء تصدي أخيه الموفق لثورة الزنج (سيأتي ذكر هذه الثورة بشيء من التفصيل) ، حاول الخليفة أن ينقل الخلافة العباسية إلى مصر التي كانت تحكمها الدولة الطولونية التي أسسها أحمد بن طولون خشيةً أن يكون تحت إمرة أخيه الموفق ، ولكن الموفق علم بذلك فأمر بإرجاعه إلى بغداد.
.
وفي عهده سنة 256هـ توفي الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي صاحب كتاب "صحيح البخاري"، المتفق على تفضيله والأخذ منه، والعمل به، وكان قد وقع بين البخاري وأمير بخارى واسمه خالد وحشة شقاق ، فدسّ خالد من قال إن البخاري يقول بخلق الأفعال للعباد، وبخلق القرآن فتبرأ البخاري من ذلك وأنكره، وعظم عليه فارتحل، ونزل عند بعض أقاربه، بقرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، اسمها "خرشك" فمات بها ليلة عيد الفطر من هذه السنة 256هـ.
.
ثورة الزنج
قبل توليه الخلافة في سنة 255هـ أندلعت ثورة الزنج وكانت من اقوى الفتن التي عصفت بالدولة وكادت تقضي عليها وعلى النظام الاجتماعي والاخلاقي في الدولة الاسلامية انذاك واندلعت في جنوب العراق وامتدت لإيران وبغداد. وكان زعيمها رجل عربي اسمه علي بن محمد، فارسي الأصل، ادعى أنه من نسل علي بن أبي طالب زوج فاطمة بنت النبي , وهو شخصية محيرة فعلاً حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه.
.
تفصيل ذلك أن عددا ُ كبيراً من الزنوج العبيد كانوا يعملون في كسح السباخ بالقرب من البصرة، فأخذ علي بن محمد يذكر لهم سوء ما يلقون من المعاملة، ويحرضهم على أن يثوروا معه على ساداتهم، ويعدهم بالتحرر من الرق وبالثروة وأن يكونوا هم مالكين للعبيد. وأثرت فيهم دعوته، فاستجابوا لها واستولوا على الزاد والعتاد، وهزموا الجيوش التي سيرت لقتالهم، وهاجم عدة بلاد أخرى واستولى على الكثير منها، وسيطر على جنوبي إيران والعراق حتى دق أبواب بغداد نفسها. وتعطلت التجارة، وقل الطعام في العاصمة.
.
وظلت نار الثورة مشتعلة ثلاثة عشر عاماً , وفي بعض المراجع أربعة عشر أو خمسة عشر ، سيرت في خلالها عدة جيوش لتقليم أظافرها وعرضت السلطات على من يفرون من صفوف الثوار المال والعفو، فخرج الكثير من الرجال علي زعيمهم علي بن محمد وانضموا إلى جيوش الحكومة. ثم حوصر من بقي منهم، وضُيقَ عليهم الخناق، وسُلط عليهم الرصاص المصهور و "النار اليونانية" وهي مشاعل من النفط الملتهب، وانتهى الأمر بأن دخل جيش يقوده الوزير أخو الخليفة المعتمد أبو أحمد الموفق طلحة إلى مدينة الثوار، وتغلب على ما لقيه من المقاومة، وقُتل زعيم الثورة علي بن محمد وبذلك تم القضاء عليها سنة 270هـ/ 884م., بعد أن دامت هذه الثورة المدة التي ذكرناها آنفا والتي كانت خلالها العراق مليئة بالإضطرابات والثورات التي قامت على الخلفاء العباسيين وكانت ثورة الزنج أحد الثورات المؤلمة في تاريخ العراق والمسلمين وكان أن استغل أحمد بن طولون والي مصر هذا الاضطراب فاستقل بأغنى ولايات الخلافة الإسلامية مصر.
.
تمرد مصر:
وفي سنة 271 كانت الملحمة بين أبي العباس بن الموفق وبين صاحب مصر خمارويه بفلسطين وجرت السيول من الدماء ثم انهزم خمارويه وذهبت خزائنه، ونزل أبو العباس في مضربه (أماكنه).
قال الطبري في كتاب (تاريخ الرسل والملوك): هزم أبو العباس خمارويه، فركب خماروية حمارًا هاربًا منه إلى مصر، ونزل أبو العباس مضرب خمارويه.
.
يعتبر "الموفق طلحة" أخو الخليفة المعتمد هو باعث الصحوة، وكان قائدًا ماهرًا، وسياسيًا فذا، ذا همة عالية وعزيمة قوية، تمكن من الإمساك بزمام الأمور، وقيادة الجند، ومحاربة الأعداء، والمرابطة على الثغور، وتعيين الوزراء والأمراء، وكان قضاؤه على ثورة الزنج أعظم إنجاز له.
.
وفاة الخليفة المعتمد:
توفي المعتمد بالله في 19 رجب 279ه الموافق 16/10/892م في بغداد فحمل ودفن بسامرَّاء, وهو آخر خليفة دفن في سامراء حيث كان بسامراء قبور سبعة من الخلفاء العباسيين هم: المعتصم, والواثق, والمتوكل, والمنتصر, والمعتز, والمهتدي, والمعتمد, وكانت خلافة المعتمد 23 سنة وتولى من بعده الخلافة ابن اخيه احمد المعتضد بالله بن الموفق طلحة.
.
المراجع:
ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف)
إبن كثير في كتاب (البداية والنهاية)
جلال الدين السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء)
تامر الزغاري في كتابه العهد العباسي
الطبري في كتاب (تاريخ الرسل والملوك)