دراسة تحليلية من كتاب "مآسي الخلافة كنظام للحكم" لمؤلفه الكاتب المفكر عبد المنعم الخن - (الباب الثاني - الخلافة العباسية الفصل السادس عشر/ خلافة احمد المعتضد بالله)
.
في هذا الفصل ستقرأون عن زواج الخليفة المعتضد من "قطر الندى" بنت "خماروية بن أحمد بن طولون" والي مصر , وكيف كان زواجا أو زفافا أسطوريا , حتى قيل: إنه دخل معها في جملة جهازها ألف هاون من الذهب .. تابعونا
.
من هو الخليفة احمد المعتضد بالله؟...
هو ابو العباس احمد بن الموفق طلحة بن جعفر المتوكّل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد, وهو الخليفة العباسي السادس عشر, ولد في سامراء في 16 ذي القعدة 242ه الموافق 16/3/857م , وامه هي صواب الصقلبية, ودامت خلافته 10 أعوام من عام 279هـ الموافق 892م الى عام 289هـ الموافق 902م
.
سماته وصفاته:
قال ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف): كان نحيفاً ربعة من الرجال حسن اللحية خفيف العارضين يخضب بالسواد.
وكان شجاعا مهيبا ظاهر الجبروت، شديدا الوطأة على المفسدين, و قد اشاع العدل والرخاء ورد المظالم وألغى الضرائب فأحبه الناس وقام بتذليل السلاطين لخدمته, وقاد الحروب بنفسه, وهو أول خليفة عباسي بعد السفاح والمنصور لم يكن والده خليفة من قبله حيث لم يتول والده الموفق طلحة الخلافة مثل أخواته الثلاثة, وكان مقر حكمه في القصر الحسني في بغداد.
.
قبل توليه الخلافة:
قال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): سجن أبو أحمد الموفق ولده أبا العباس المعتضد في دار الإمارة، وكان سبب ذلك أنه أمره بالمسير إلى بعض الوجوه، فامتنع أن يسير إلا إلى الشام، وأمر بسجنه فثارت الأمراء واختطبت بغداد فركب الموفق إلى بغداد وقال للناس: أتظنون أنكم على ولدي أشفق مني؟ فسكن الناس عند ذلك.
.
قال الخطيب في كتاب (تاريخ بغداد): حبس الموفق طلحة ابنه أبا العباس , فلما اشتدت علة الموفق , عمد غلمان أبي العباس, فأخرجوه, وأدخلوه إلى أبيه, فلما رآه, أيقن بالموت, فقيل: إنه قال: لهذا اليوم خبأتك. ثم فوض إليه, وضم الجيش إليه, وخلع عليه قبل موته بثلاث.
.
توليه الخلافة:
تولى الخلافة بعد وفاة عمه المعتمد على الله في 19 رجب 279ه الموافق 16/10/892م.
وهو أول خليفة عباسي لم يكن والده خليفة من قبله حيث لم يتول والده طلحة الموافق الخلافة مثل أخوانه الثلاثة (المعتز بالله،المعتمد على الله، المنتصر بالله) , ونقل مقر الخليفة من سامراء إلى بغداد.
.
ولقد ذكرنا في الفصل الخامس عشر "خلافة المعتمد علي الله" أن في عهده عادت للخلافة العباسية ما كان لها من هيبة وإجلال، وانقضى نفوذ الأتراك الذين عبثوا بالخلفاء، ولم يعد لهم من الأمر شيء، وذكرنا أنه لم يكن الخليفة المعتمد الفضل في ذلك وإنما كان أخوه وولي عهده الموفق طلحة هو باعث هذه الصحوة، وكان قائدًا ماهرًا، وسياسيًا فذا، ذا همة عالية وعزيمة قوية، تمكن من الإمساك بزمام الأمور، وقيادة الجند، ومحاربة الأعداء، والمرابطة على الثغور، وتعيين الوزراء والأمراء، وكان قضاؤه على ثورة الزنج أعظم إنجاز له، وكانت ثورة عارمة دامت أكثر من أربعة عشر عامًا، وكادت تعصف بالخلافة.
.
من الأحداث التي وقعت في عهده:
- قال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): نودي ببغداد أن لا يمكن لأحد من القصاص (رواة القصص) والطرقية (شيوخ الطريقة) والمنجمين ومن أشبههم من الجلوس في المساجد أو في الطرقات، وألا تباع كتب الكلام والفلسفة والجدل بين الناس، وذلك بهمة أبي العباس المعتضد سلطان الإسلام.
.
- حول دار الندوة التي بناها قصي بن كلاب وصيرها مسجدا وصلى بالناس صلاة عيد الأضحى، فكبر ستا، ولم تسمع منه خطبة , وأبطل الإحتفال بالنيروز في بغداد وهو عيد أو مهرجان مرجعه إلي أساطير قديمة متعددة كان يقدم فيه الهدايا إلي الخليفة وأزال سنة المجوس.
.
- اشاع العدل والرخاء ورد المظالم وألغى الضرائب فأحبه الناس وقام بتذليل السلاطين لخدمته وقاد الحروب بنفسه وأعاد هيبة العرب وبني العباس.
قال الشاعر ابن الرومي عنه مادحا إياه:
هنيئا بني العباس أن إمامكم إمام الهدى والبأس والجود أحمد
كمــا بأبـــي العبـــاس أنشئ ملككم كـذا بأبــي العبـاس يتـجدد
.
- في سنة سنة 281ه الموافق 894م فتحت مكورية في بلاد الروم.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والامم): في سنة مئتان و واحد وثمانون المسلمين دخلوا بلاد الروم ففتحوا بعضها ثم عادوا فغزوهم فغنموا وظفروا.
ولاية خرسان.
.
- وفي عام 286هـ انتهى عهد والي خرسان عمرو الصفاري, الذي حاول تجاوز حدود ولايته السيطرة على ولاية ما وراء النهر – تركستان حاليا-, مكررا ما كان يعمله اخيه يعقوب الصفاري, لكن استطاع والي ما وراء النهر اسماعيل بن احمد القضاء عليه.
.
- قبل عهد المعتضد بسنوات حدث تمرد في شمال بلاد فارس فارسلت لتلك الارجاء الجيوش التي لم تستطع انهاء المشكلة بشكل كامل الى ان قاد الخليفة المعتضد الجيش بنفسه وانهى هذا التمرد.
.
- زواجه من قطر الندى:
قبل المعتضد سلطة الطولونيين في مصر الذين أستقلوا بها , وتزوج من "قطر الندى" بنت "خماروية بن أحمد بن طولون" والي مصر، وكان عمر المعتضد حينها 40 عاما, وتم الزواج في ربيع الأول سن 282ه, وكان في جهازها أربعة آلاف تكة مجوهرة وعشرة صناديق جوهر.وكانت العلاقة بين دولة الخلافة والطولونيين في مصر على غير ما يُرام في عهد أحمد بن طولون، وقد حاول ابنه خمارويه أن يفتح صفحة جديدة، فزوج إبنته "قطر الندي" للخليفة المعتضد ، وكان جهازها الذي أعده أبوها أسطوريًا بالغًا في الإسراف إلى حد يفوق الخيال, وكان زفافا أسطوريا استمر لعدة أشهر يتردد صداه حتى اليوم و استنزف موارد الدولة الطولونية وعجل بنهايتها وصاحب ذلك إتفاق مع الطولونيين على أن يدفعوا إتاوة سنوية للخليفة المعتضد وبذلك استطاع بهذا المال دعم موارده المالية و الوقوف بوجه الحمدانيين في شمال بلاد الشام.
.
قال ابن تغري بردي: "إنه جهزها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف حتى قيل: إنه دخل معها في جملة جهازها ألف هاون من الذهب… ولما فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر الندى، أمر فبني لها على رأس كل منزلة تنزل فيها قصرٌ فيما بين مصر وبغداد… وكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد، فكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرًا قد فرش، فيه جميع ما تحتاج إليه، وقد علقت فيه الستور، وأُعِد فيه كل ما يصلح لمثلها، وكانت في سيرها من مصر إلى بغداد على بُعد الشقة كأنها في قصر أبيها…".
.
وكان هذا الإسراف من قبل خمارويه سببًا في إفلاس مالية البلاد، وكانت مصر من أغنى الدول وأكثرها ثراءً، ويبدو أن الخلافة العباسية عندما يئست من إخضاع دولة الطولونيين بالقوة لجأت إلى إضعافها بالسياسة، حتى قيل: إن المعتضد أراد بزواجه من قطر الندى أن يفقر أباها خمارويه في جهازها.
.
وفاته المعتضد:
توفي المعتضد بالله عن عمر ناهز 48 عاما وأعتل علة صعبة ومات في 22 ربيع الاخر 289 ه الموافق 6/3/902م , ودامت خلافته 10 أعوام , وحسب بعض المراجع فإنه مات مسموماً. و قد خلفه في الحكم ابنه المكتفي.
.
المراجع:
ابو الحسن المسعودي في كتاب (التنبيه والاشراف)
ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية)
الخطيب في كتاب (تاريخ بغداد)
ابن تغري بردي المؤرخ المصري في كتاب (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)