بحث داخل الموقع

مارس 11، 2015

أنظروا كيف فعل التكفريون بـ"الحلاج" جلد ثم صُلب حيا ثم قطعت رأسه، وأحرق جثمانه .. بحث أعده الكاتب عبد المنعم الخن


أنبري الأفاقون القتلة من أهل الفقه الواقفين بعلمهم المكذوب على أبواب القصور، يقتاتون بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان؛ ليخدعوا العامة، وليجعلوا رقاب
العباد أشد إذعانا للمتجبرين من أهل الغلبة بالسيف , وإذعانا للمذاهب الفقهية التكفيرية وللأحاديث المكذوية التي جاءت في كتب التراث , خاصة في كتب تدوين الأحاديث كالبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم والمملؤة بالكثير من الأحاديث المكذوبة والخاصة بالتشريع كالحديث الذي ورد في  البخاري في موضعين برقم (2854)  ورقم (6524) عن عكرمة الكذاب "من بدل دينه فاقتلوه" , والذي بمقتضاه تم تكفير الملايين من المسلمين وقتلهم عبر التاريخ الإسلامي الممتد لأكثر من 14 قرنا هجريا , وما يفعله تنظيم "داعش" الإرهابي الآن ما هو إلا تطبيقا حرفيا وبأمانه لما جاء في هذه الكتب التراثية المملؤة بالغثاء وبناء علي هذا الحديث المكذوب "من بدل دينه فاقتلوه" , أنطلقوا يكفرون الناس أولا ثم يحكمون عليهم بالموت ثانيا ثم ينفذون القتل بأنفسهم ثالثا ثم يكبرون رابعا وكأنهم وكلاء الله علي الأرض منحهم ختم الجودة كي يحافظوا علي دين الله.


أقرأوا ماذا فعل التكفريون في القرن الثالث الهجري بالرجل العابد المتصوف الحسين بن منصور الحلاج , وكيف رموه بالكفر أولئك من يسمون بعلماء الدين وأصحاب المذاهب وأهل الفقه وتجار الفتاوي وعبدة التراث وكلاب الخليفة الذين يلهثون لإرضائه بقتل من يخالفة أو كان مؤيدا لحاكم قبله , قتلوا "الحلاج"  ليتخلصوا منه إبتغاء مرضاة ولد صغير هو أبو الفضل جعفر المقتدر بالله والذي عهد إليه أخوه المكتفي بالخلافة، وفي سنة 282 هـ مات المكتفي فتولي بعده المقتدر وعمره ثلاث عشرة سنة.

بادئ ذي بدء , أعرفكم بشخصية الحسين بن منصور الحلاج , فهو متصوف وشاعر عربي من أصل فارسي ولد في الطور بفارس نحو عام 857م(244هـ) ومات في السابع والعشرين من مارس922م(24 من ذي القعدة 309هـ) في بغداد.

نزح والد الحلاج إلى واسط بالعراق، حيث عمل على تحفيظ ابنه القرآن، وهو لم يتجاوز بعد الثانية عشرة، وعندما بلغ العشرين ارتحل إلى البصرة، وأخذ مبادئ التصوف عن عمرو المكي، كان الحلاج “يبحث ويبغي أن يجد كل امرئ الله في دخيلة نفسه”. وبعد أن ارتحل إلى خراسان وأمضى فيها خمسة أعوام يدعو الناس إلى الزهد، استقر مع أسرته في بغداد ثم أقام في مكة عاما كاملا يصلي ويصوم، ولما رجع البصرة أخذ يعظ الناس , 

بعد ذلك ذهب إلى الهند وتركستان، وعند عودته إلى بغداد كان أعداؤه تربص له أعداؤه ، إذ أخذوا عليه قوله أنه مع الذات الإلهية في اتحاد، فثار عليه فقهاء بل أفاقين عصره، ولم ينقذه 

من الإعدام حينها سوى القاضي ابن سريج، الذي كان على دراية بالمتصوفة وأحوالهم وكان يعلم أن ما يتفوه به المتصوف في هذه اللحظات لا سلطان له عليه، فلم يتهم الحلاج بالكفر حتى حين قال وسط الناس: «أنا الحق»، فقد كان يعلم أن هذه حالة عرفانية استثنائية، تعرف لدى المتصوفة بالوعي الإلهي، ورد على منتقديه بالحديث القدسي «ما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشى بها، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استغاثني لأغيثنه».

كان الحلاج ممن يرى التصوف جهادا متواصلا للنفس، بالابتعاد بها عن متع الدنيا وتهذيبها بالجوع والسهر، وتحمل عذابات مجاهدة أهل الجور، وبث روح الثورة ضد الظلم والطغيان حتي أن بعض أولي الأمر في خلافة المكتفي الخليفة العباسي  قد دخلوا تحت قيادته الروحية ولكن عندما مات المكتفي وتولي أخوه المقتدر الحكم كخليفة سنة 282 هـ  ألقي القبض علي الحلاج وزج به في السجن وتمت محاكمته وأستغرقت محاكمته تسع سنوات قضاها في السجن يعظ السجناء، ويحرر بعض كتاباته، وكان مما أخذ عليه أيضا، نظريته في تقديس الأولياء التي عدوها ضربا من الشرك، وبعض أقواله التي حملوها على محمل الكفر.

وفي السادس والعشرين من مارس 24 من ذي القعدة 309هـ  أخرج الحلاج من محبسه وسيق إلي جلاده الذي جلده جلدا شديدا ثم صُلب حيا حتى فاضت روحه إلى بارئها، وفي اليوم التالي قطعت رأسه، وأحرق جثمانه، ونثر رماده في نهر دجلة، وقيل أن بعض تلاميذه احتفظوا برأسه , ومن المعروف أن القاضي أبو عمر المالكي هو من حكم بقتل الحلاج وقد أمر الخليفة العباسي "المقتدر" بإنفاذ الحكم.

أي جناية جناها الحسين بن منصور الحلاج حتى يكون هذا مصيره، ولماذا بلغت القسوة بهؤلاء هذا الحد المرعب من التنكيل بالرجل طوال فترة حبسه، ثم إزهاق روحه على هذا النحو الوحشي؟

بالقطع لم تكن جناية الرجل الوحيدة من وجهة نظرهم أنه قال بكلام يحتمل معنى الكفر من وجه، ويحتمل معنى الإيمان من وجوه كثيرة , أتريدون معرفة السبب الحقيقي لمقتل الحلاج والتمثيل بجثته ؟ السبب هو الكتب التي ملآها مدونها بالأحاديث المفتري بها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم , والروايات المفتري بها علي الصحابة الأجلاء كرواية "الفجاءة" الذي أمر أبو بكر بحرقة وقصةَ تحريق علي رضي الله عنه لجماعة من الزنادقة والتي رواها البخاري في الحديث رقم (6524) آنف الذكر - قال : أُتي عليٌّ بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابنَ عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرِّقهم ؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله ) ولَقتَلتُهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) . 

لم يكتف هؤلاء الوحوش بقتل الحلاج الرجل العابد ، بل إن الخليفة  الصغير المقتدر بالله العباسي نكَّل بتلاميذ الحلاج أشد التنكيل، حتى يرتدعوا وما زادهم ذلك إلا عنادا (وبالمناسبة أنتقم الله من المقتدر في 28 شوال 320هـ حيث قتل علي أثر صراع كبير بين قائد الشرطة «محمد بن ياقوت» الذي إنحاز إليه المقتدر وبين قائد الجيش «مؤنس الخادم» الذي إنحاز معظم الجيش له)

بالقطع امتدت أيدي الباطشين إلى سيرة الرجل فأشبعوها تلويثا، وكتب فقهاؤهم في ذلك ما يجل عن الحصر، حتى أنهم ذكروا في معرض ما كتبوا أقوالا شنيعة عنه نسبوها إلى ولد الحلاج وادعوا أنه قائلها، وهو من عرف ببر أبيه.

رحم الله الحسين بن منصور الحلاج، وغفر له فهو –سبحانه وتعالى- أعلم بالسرائر، وما تخفيه الضمائر.