بحث داخل الموقع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشأن الديني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشأن الديني. إظهار كافة الرسائل

أغسطس 18، 2014

الباحث الإسلامى المصحح الدكتور / إسلام بحيري: الأسلام لا يعرف ضرب الزوجات


فى حديث صحيح مرفوع إلى النبى أنه لما نزلت على المسلمين فى المدينة آية «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» الأنعام 82, شق ذلك على المسلمين لأنهم اعتقدوا أن أى ظلم ولو كان بسيطا يختلط بإيمانهم قد يذهب به كله, فانطلقوا للنبى يسألونه الهدى فى فهم هذه الآية فأجابهم النبى وفى إجابته أسس لأمته من بعده مدخلا وسبيلا واضحا ومنضبطا بهدى النبوة للتعامل مع تفسير الآيات الحكيمة, فقال لهم: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُواْ مَا قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ» «يَا بُنيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
وهذا التفسير من النبى أسس لأهم ثلاث قواعد ذهبية لفهم القرآن فهما مؤصلا ومنضبطا:

القاعدة الأولى: أنه لا يجب فهم القرآن من خلال المعنى اللغوى للفظ فقط, بل من خلال مأتاه ومكانه داخل السياق النصى ليستدل به على المعنى المراد من الآية والدليل هو قول النبى فى الحديث: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ», والمعنى أن سياق الآية كان يتكلم عن كمال الإيمان فى قول الله: «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» فلما جاء الكلام عن الظلم فى ذات السياق استبان أن المعنى ليس المراد به الظلم المجرد, بل المراد هو الظلم الذى يناقض الإيمان الكامل فكان المفهوم أنه الشرك.


القاعدة الثانية: أن القرآن له وحدة موضوعية وهو كل لا يتجزأ, لذا فإن تفسير نصوصه ببعضها البعض هى السبيل القويمة لفهمه السديد, والدليل هو تفسير النبى لمعنى الظلم فى آية: «يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» من خلال آية: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ», التى بينت معنى الظلم المراد, وهذا تأكيد على وحدة البناء فى آيات القرآن.


القاعدة الثالثة: ألا يرجع فى تفسير المستشكل من الآيات إلا لحديث صحيح ومرفوع إلى النبى والدليل على ذلك ما فعله الصحابة من سؤالهم النبي, فلما كان السماع من فم النبى لمن بعده من المستحيلات فكان الواجب البحث عن أصح الصحيح عن النبى لتفسير القرآن.

ولكن مع ظهور عصر المفسرين ذهبت هذه القواعد النبوية كهشيم تذروه الرياح, فضموا بين دفتى كتبهم المكورة كل ما يخالف هذه القواعد ففسروا القرآن وكأنه جزر مجزأة لا علاقة موضوعية ولا وحدة بنائية تجمعه, ففسروه بالأثر والروايات الموضوعة والضعيفة والمرسلة, ثم بالرأى والعرف والهوى والخرافات والإسرائيليات والسلطوية الذكورية والاستعلائية الطبقية وأحكام القبيلة, فأحاطوا النص الأرقى فى تاريخ الإنسانية بشروح وحواش بائسة لا تستلهم روح النص ومقاصده بل لا تكاد ترقى ثمنا لأن تساوى المداد الذى كتبت به.


وكمدخل لمحاولة فهم النص القرآنى من خلال تطبيق القواعد النبوية الثلاث نعرض لما اقترفه المفسرون الأوائل فى فهم وتفسير الآية الشهيرة لنشوز المرأة «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» النساء 34.

وقد مثل فهم هذه الآية وذكر «الضرب» فيها إشكالية عند المعاصرين وانقسمت آراؤهم فيها إلى فريقين, الأول مثله العلامة التونسى «الطاهر بن عاشور» ويتلخص فى تفعيل قاعدة «تقييد النص بالعرف السائد» فقال فى تفسيره: «فإنّ الناس متفاوتون فى ذلك، وأهل البدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداء، ولا تعدّه النساء أيضاً اعتداء» التحرير (5/41), وهذا الاتجاه وإن كان محمودا للشيخ ولكنى أرى أنه منقوص لأن التقيد بالعرف يشترط فيه ألا يكون العرف سيئا فى حد ذاته, وقد جاء الإسلام ليقوم الاعوجاج لا ليقره, أما الفريق الثانى فهو اتجاه معاصر لبعض الباحثين وتمثله الباحثة المسلمة الأمريكية «لالا بختيار» التى فسرت النص بالإنجليزية على أساس أن «الضرب» المذكور إنما هو بمعنى «الترك والهجران« كقول العرب «ضرب فى الأرض» بمعنى «سافر للرزق», وهذا الاتجاه وإن كان لاشك يرنو إلى الدفاع عن النص فإنه لا يُقبل تفسيرا ولا تأويلا, فكل تصاريف المصدر «ضرب» فى القرآن إذا جاءت مجردة فلا تفيد إلا الضرب البدنى كقول الله: «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا« البقرة 73, وقوله: «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ» الأنفال 50.

ولكن الذى لم يتنبه إليه أحد من المعاصرين أن الإشكالية فى فهم الآية لا تختص بلفظ «الضرب» ولكن الإشكالية الحقيقية فى الفهم المغلوط لمعنى «النشوز» وهو رأس الآية وعمود سياقها, ولنعرج بإيجاز على أقوال المفسرين فيها.

نص الآية: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» النساء 34.

أقوال المفسرين فى معنى نشوز الزوجة:
ابن كثير: «والنشوز: هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هى المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المُعْرِضَة عنه، المُبْغِضَة له» (2/294).
القرطبى: «فالمعنى: أى تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج» (5/170-171).
الطبرى: «فإنه يعنى: استعلاءَهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فُرُشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهنّ طاعتهم فيه» (8/299).
فغاية ما فسره الأوائل وتبعا لهم كل المعاصرين أن «النشوز» هو مجرد عصيان المرأة لزوجها وإعراضها عن أوامره.
بيد أننا لو نظرنا لقول المفسرين فى معنى نشوز الزوج لوجدنا منهم عجبا.
نص آية نشوز الزوج: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» النساء 128
أقوال المفسرين فى معنى نشوز الزوج:
ابن كثير: «إذا نشز عن امرأته وآثر عليها» (2/429).
القرطبى: «أن النشوز هو التباعد« (5/403).
الطبرى: يعنى: «استعلاءً بنفسه عنها إلى غيرها أثَرةً عليها، وارتفاعًا بها عنها، إِما لبغْضه، وإما لكراهة منه بعض أسبابها إِما دَمامتها، وإما سنها وكبرها« (9/267-268).

بيان التفسير السقيم لآيتى النشوز:
أخطأ المفسرون عن عمد فى صرف معنى النشوز إلى معنيين مختلفين بين نشوز الرجل ونشوز المرأة, فقد صرفوا معنى النشوز عند الزوجة بالمعصية والإعراض ثم صرفوا معنى النشوز عند الزوج بأنه الأثرة والاهتمام بالزوجة الثانية وتركه وإهماله الزوجة الأولى, وذلك رغم تطابق الآيتين نصا ولفظا وكذلك تماثل السياق والواقعة فيهما تماما, وهذا ما يؤكد بطلان المعنى الذى ذهب إليه المفسرون فى الآيتين معا, فلا دليل من لغة ولا شرع يغاير معنى النشوز من الزوجة إلى الزوج إلا إنه الالتفاف بشكل يكاد يكون مضحكا حول المعنى المتطابق للنص فى الآيتين وذلك لتمكين السلطة على الزوجة.

لو كان معنى النشوز عند الزوجة هو الصحيح لكان المعنى الذى فسروا به نشوز الزوج خاطئا, ولو كان معنى النشوز عند الزوج صحيحا لوجب الاعتراف بأن تفسيرهم لنشوز الزوجة باطل لأنه لا يمكن لعاقل القول بصحة التفسيرين معا على الإطلاق.

أخطأ المفسرون فى تفسير نشوز الزوجة بالمعصية لأوامر الزوج لأنه لا يستقيم فى المعنى, كما أخطئوا أيضا فى تفسير نشوز الزوج بالتباعد عن الزوجة فنص الآية يقول: «نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا» فلو كان المعنى كما يدعون لكان نص الآية يكرر نفسه ويقول:«إعراضا أو إعراضا», حيث المعنى الطبيعى للتباعد هو الإعراض, وبذلك يكون لا معنى للتكرار فى الآية ولا وجه له فى اللغة, وهذا ما يؤكد المغايرة والاختلاف بين النشوز والإعراض, بل إن الطبرى يقول إن نشوز الرجل عن امرأته يكون بذنب منها فهى إما كبيرة أو دميمة لم تعد تصلح للجماع والمعاشرة, فأى قوم هؤلاء الذين ورثنا منهم البداوة الذكورية المجانبة لمقصد وروح الشريعة السمحة.

إذن لا ريب أننا لو استقرأنا الآيتين من خلال القواعد النبوية الثلاث التى ذكرناها لاستوضحنا مفهوم النشوز المراد فيهما:

القاعدة الأولى:
أنه لا يجب فهم القرآن من خلال معنى اللفظ اللغوى فقط بل من خلال مكانه داخل السياق النصى:
فبالنظر إلى آية نشوز الزوجة وإلى السياق البنائى للآية والمؤدى للفظ »النشوز« نجد معنى دلاليا مخالفا لما ذهب إليه التفسير التراثى, فرب العزة يقول فى السياق السابق على النشوز: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا».

فالله يوَصِّف فى الآية لأغلى صفة ومزيَّة عند الزوجة المؤمنة الصالحة بل هى رأس القول فى صلاح الزوجة بقوله تعالى: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» والمعنى الصريح أن الصالحات من الزوجات هن اللاتى يحفظن أزواجهن بالغيب فى أنفسهن وعرضهن, ومن هنا يتبين أن السياق القرآنى لم يكن يتكلم فى المطلق أو العام لكنه يحدد الصفة الأساس فى صلاح الزوجة المؤمنة وهى حفظ نفسها بالغيب, وتعقيبا على ذلك واتصالا بنفس السياق قالت الآيات مباشرة:

 «وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ», وهذا الاتصال الأكيد للسياق لم ينفصم ولم ينفصل عما قبله من ذكر صفة العفة للزوجة, بما يبين بالقطع أن النشوز المراد هو نقيض صفة العفة المذكورة عن الزوجة الصالحة, وبذلك أن النشوز المراد هو نشوز الزوجة عن منظومة العفة بمعنى تعلق المرأة بغير زوجها بما يخالف مفهوم حفظ النفس بالغيب وبما يعد من مقدمات الفاحشة دون الوقوع فيها, ولهذا بدأ رب العزة استئناف الكلام بعد ذكره صفة عفة الزوجة بقوله: «وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ», ومما يدلل على ذلك أيضا أن استخدام القرآن دوما لصيغة «تَخَافُونَ» يأتى على وجه إفادة اليقين بحدوث الشىء وليس توقع حدوثه ومن مثل ذلك قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى» بمعنى تيقنتم وقوله: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ» بذات المعنى, ومن هنا نستوضح أن المراد من قول الله بمعنى واللاتى تيقنتم من نشوزهن فى أمر الصلاح والعفة بفعل من مقدمات الفاحشة دون الوقوع فيها, وهذا ما يؤكد أن معنى النشوز المراد لا علاقة له بأى وجه بعصيان أمر الزوج, ولكنه توصيف لحالة خروج وبروز عن المنظومة الصالحة للمرأة المؤمنة وهى عماد البيت والأسرة فيرتب على هذا النشوز غير المفترض حدوثه فى البيت المسلم معالجة الأمر بالنسبة للأسرة إما بالنصح أو بغيره وهو ما انتهى بقول الله عن »الضرب« والضرب هنا هو نتاج ما يعتمل من الغيرة والغضب فى قلوب الرجال مؤمنهم وكافرهم مسلمهم وملحدهم نتاج نشوز الزوجة المتكرر عن العفة, وهذا الغضب الذى افترضته الآية -ولم تأمر به- أنه قد يصل فى مراحله المتأخرة للعراك والتبارز بالأيدى, إذن ففهم النشوز على وجهه الصحيح وتبعا للقاعدة الأولى من قواعد التفسير النبوية يقودنا بالضرورة لاستيضاح عوار التفسير الذى ذهب إليه أهل التراث أن النشوز هو فقط عصيان الزوج فى أوامره, كما أن القبول بتفسير النشوز بأنه العصيان يقودنا إلى القول بأن مفهوم سياق الآية لا معنى له وكأنها تقول: «الزوجة الصالحة صفتها العفة وحفظ النفس, والجو جميل والطقس رائع».

ولكن الحق أن النشوز المقصود هو استثناء ونقيض من العفة السابق ذكرها ووصفها, ومما يؤكد على معنى النشوز الذى قلنا به وهو البروز عن منظومة العفة هو تعقيب الآيات بعدها, ففى سياق متصل يقول تعالى: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا», وهنا نستوضح أن المرأة إن عادت لرشدها ولم تأثم فان الله ينهى عن البغى عليها, والطاعة المذكورة فى الآية ليس المراد منها طاعة العبد لسيده، والتى هى علاج العصيان كما ادعى المفسرون, ولكن الطاعة فى النظم القرآنى تأتى بمعنى الاستجابة وليس الانقياد والإذلال والدليل هو قول الله تعالى عن النبى: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ» الحجرات7, ولا يمكن لعاقل القول إن الطاعة المقصودة أن يطيع النبى الصحابة طوع المرؤوس لرئيسه، ولكن الطاعة بمعنى الاستجابة, ومن هنا نتبين أن الطاعة من النساء مقصود بها الاستجابة والعودة للرشد, والدليل الثالث فى التأكيد على مفهوم النشوز بالخروج عن العفة هو استمرار السياق فى الآية التالية لذات المعنى بقول الله: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا» وهذا الشقاق ما يؤكد أن النشوز أمر جلل وليس مجرد العصيان للزوج، ففى حال استحالت العشرة بينهما فيكون التحيكم من الأهل بغية الإصلاح وهذه نقطة النهاية فى الأمر فإما وفاق دائم بعدها أو فراق دائم بالطلاق من جانب الرجل وبالمخالعة -الخلع- من جانب المرأة.


أما الدليل الرابع على معنى النشوز الذى نقول به فهو فهم نشوز الرجل على وجهه الصحيح فالآية تقول: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» النساء 128, فلو نظرنا إلى معنى نشوز الرجل من خلال السياق البنائى المتصل نجد الآية التالية عليه تقول: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة», فمن هى المعلقة التى يحذر الله الرجل أن يتركها هكذا إلا لو كانت من تكلمت عنها الآيات فى صدر السياق بقول الله: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا» فالآيات متصلة بمعنى مترابط أن هذه المرأة التى تيقنت من نشوز الزوج وتعلقه بالزوجة الثانية تعلقا كاملا وتركه لها معلقة، وهو ما يؤكد أن النشوز المقصود متطابق عند الزوج والزوجة وهو الخروج عن منظومة الصلاح والعدل فى الزوجية من جانب الرجال.


وأما اختلاف المعالجة بين النشوزين مع اتحاد معناهما فيمثل العدالة الإلهية, حيث إن نشوز المرأة عن الصلاح والتقوى إنما هو مقدمة للحرام والفاحشة حيث لا يحل للنساء فى أى دين ولا فطرة أن تتزوج رجلين، فكانت المعالجة بطريق الإصلاح بينهما ثم التحكيم من الأهل ثم الافتراق أو الاتفاق, وأما نشوز الرجل وهو بذات المعنى حيث يعد نشوزا وبروزا عن منظومة المودة والرحمة والعدل من تعلق الزوج بالزوجة الأخرى ولما كان ذلك حلالا للرجل، ولكنه حلال مكروه وذلك فى جزم الله فى الآية التالية فى السياق أن العدالة بين النساء هدف لا يدركه الرجال فكانت المعالجة بذات الطريقة، فخيرهم بين العدل أو الاكتفاء بزوجة واحدة ثم أنهى الله السياق بذات التدرج فى آية نشوز المرأة الذى قد ينتهى بوفاق دائم أو فراق دائم بقوله: «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ».


هذا هو المفهوم العادل والعاقل لمعنى النشوز المتكافئ عند الزوجين والمتسق والمتفق مع مقاصد الشريعة الكلية وعدالتها الموضوعية, وهو ما يؤكد بطلان وفساد تفسيرات أرباب القبيلة الذين بدلوا الكلم عن مواضعه, وعليه فإن الضرب المذكور فى القرآن هو بمعنى عراك الغيرة وهو حالة فطرية خاصة لواقعة خاصة قد لا يشهدها البيت المسلم إلا نادرا, وليس كما ادعوا أن للزوج أن يضرب زوجته للتأديب كالحيوان فليس ذلك فى شريعة الإسلام على الإطلاق.


أما القاعدة الثانية:
أن القرآن كل لا يتجزأ من ناحية الفهم لذا فإن تفسير نصوصه ببعضها البعض هو السبيل لفهمها.
وهذه القاعدة تمثل الهدى النبوى فى فهم النصوص والألفاظ من خلال تفسير القرآن ببعضه, فإذا ما نظرنا للفظ «النشوز» نجده ورد فى القرآن فى موضعين آخرين غير الذى ذكرنا فقال سبحانه: «وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» المجادلة 11, وقوله تعالى: «وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا» البقرة 259, ولو نظرنا للمعانى التى يحملها اللفظ فى الآيتين لوجدناه مقاربا وإن تغير السياق, ففى الآية الأولى يأتى النشوز بمعنى الظهور والخروج والبروز من عند رسول الله، وهو بخلاف الجلوس والمكث والمعنى هنا مقارب لما قلنا به ومخالف لما قاله التراثيون, وكذا المعنى فى الآية الثانية، فالله يأمر عبدا له بأن ينظر للعظام كيف ينشزها الله والإنشاز هنا هو إبراز العظام وتركيبها، وهو أيضا ذات المعنى المقارب لما بينا سابقا والمباعد لما قاله التراثيون عن النشوز.


أما القاعدة الثالثة:
أن تفسير المشكل من القرآن لا يرجع فيه إلا لقول صحيح ومرفوع إلى النبى:
وسنوجز العرض لهذا فى عدة أسئلة:
1 - هل استند المفسرون فى فهم إباحة الضرب لنشوز الزوجة بمعنى التأديب من عصيان الزوج لأى حديث صحيح مرفوع للنبى؟ الإجابة: لا, فليس هناك حديث يصح عن النبى فى هذا المعنى, وأما الحديث الذى استدل به المفسرون: «عن عكرمة: قال رسول الله: اضربوهن إذا عصينكم فى المعروف ضربًا غير مبرّح» فهو حديث ضعيف مرسل واهٍ لا يصح الاحتجاج به من أى وجه.

2 - هل استند المفسرون فى معنى النشوز عند الزوج بأنه الاستعلاء على الزوجة وكرهها لكبرها أو لدمامتها لحديث صحيح عن النبى؟ الإجابة لا, ولكن المفسرين -وكعادتهم الأليفة- أتوا برواية ضعيفة أن النبى أراد مفارقة زوجته السيدة «سودة» وفسروا بها آية نشوز الزوج من زوجته العجوز, وهو كلام باطل لأن هذه الرواية ضعيفة واهية لا تصح, وأما استدلالهم بالحديث الموقوف على السيدة عائشة والذى أخرجه البخارى عن قولها فى نشوز الرجل: «الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ المَرْأَةُ لَيْسَ بمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنى فى حِلٍّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فى ذَلِكَ» (2318), فهو استدلال خاطئ لأن السيدة عائشة تتكلم عن الصلح من النشوز, وليس معنى النشوز لأن قولها «ليس بمستكثر منها» هو وجه من الإعراض وليس النشوز, فالآية نزلت فى الحل والصلح من نشوز الزوج , لذا فإن استدلالهم بهذه الرواية استدلال فى غير مكانه ولا محله.

3 - هل هناك حديث صحيح عن واقعة سبقت نزول آية النشوز للزوجة توضح أن نشوز الزوجة هو العصيان والامتناع، وأن الضرب المذكور هو للتأديب من للعصيان؟ الإجابة بالتأكيد لا, أما الواقعة التى يستشهد بها عامة المفسرين بأنه قد أتى النبى رجل من الأنصار بامرأة تشتكى ضربا أثر فى وجهها، فقال رسول الله: «ليْسَ ذَلِكَ لَه». فأنزل الله: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» فقال رسول الله: «أَرَدْتُ أمْرًا وأرَادَ الله غَيْرَه», فهى رواية موضوعة ومكذوبة على النبى لأن فى إسنادها »محمد بن محمد الأشعث« وهو كذاب من أكبر الكذابين ووضَّاع شهير للحديث.
أما الرواية الثانية التى يستشهد بها المفسرون وهى أن النبى رخص فى ضرب الزوجات, أبوداود (2146), والنسائى (9167), فهذا حديث ضعيف وبعضهم جعله بمنزلة الحسن, والحديث الحسن كما يقر المنصفون من أهل الحديث إنما هو فرع من الحديث الضعيف فلا يحتج به.

4 - هل هناك حديث صحيح مرفوع للنبى ينهى فيه عن ضرب الزوجات؟ الإجابة نعم فقد أخرج البخارى: «لا يجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ ثمَّ يُجَامِعُهَا فى آخِرِ اليَوْمِ» (4908) والمفهوم هنا ليس قبول النبى بجلد العبد بل هو من قبيل المثال على عدم وجود علاقة مودة ولا رحمة بين الرجل وعبده، وهو بخلاف ما بين الرجل وامرأته فيستنكر الرسول بالعموم أى امتداد ليد الرجل على امرأته, وإنما خص الرسول النهى عن السوط-الكرباج- لأن تلك الجلافة والغلظة كانت ما تزال متأصلة فى حديثى العهد بالإسلام والنهى هنا لأى ضرب للزوجة من زوجها.

كما أخرج مسلم من حديث عائشة رضى الله عنها: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئَاً قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمَاً» (4296), وهذا ما يؤكد أن السنة الفعلية للنبى لم تكن تعرف معنى ضرب الزوجة قط, وأيضا يؤكد أن نشوز الزوجة لا علاقة له بعصيان الزوج, لأنه قد صح عن النبى أن زوجاته أمهات المؤمنين قد أغضبنه وعصينه، ومع ذلك لم تمتد يده عليهن وهو تفسير عملى نبوى يؤكد أن النشوز الذى يعقبه العراك بين الزوجين ليس بمعنى العصيان من الزوجة على الإطلاق.

أما السؤال الأهم:
هل هناك حديث صحيح عن النبى ذكر فيه معنى النشوز الحقيقى؟ الإجابة نعم, فقد أخرج مسلم حديث خطبة الوداع من قول النبى: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ» (1218), وهذا هو الحديث الوحيد الصحيح الذى جاء فيه لفظ صحيح يفسر لنا معنى النشوز على وجهه المراد, فهذا الحديث فى خطبة الوادع وبعد سنوات من نزول سورة النساء الوارد بها معنى نشوز الزوجة والزوج, لذا فإن قول النبى: «أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ», هو النشوز المراد من الآية, والمقصود بوطء الفرش هو مقدمات لعدم حفظ الزوجة لنفسها بالغيب مما دون الإثم الذى يعد خيانة كبرى, وذلك ما يدحض تفسير التراثيين بأن نشوز الزوجة هو العصيان, وإلا فلما لم يقل رسول الله فلكم عليهن «السمع والطاعة», وما يدلل أيضا على معنى وطء الفرش أنه النشوز ومقدمات الفاحشة هو ذات الحديث فى رواية «الترمذى» الذى أخرجه بلفظ شارح بقول النبى: «إلاَّ أن يأتين بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ، فإن فعلنَ فاهجروهنَّ فى المضاجعِ، واضربوهنَّ ضرباً غيرَ مُبَرِحٍ» (1163), وفى هذا اللفظ بيان صريح للعاقل أن الرسول يفسر آية النشوز فى خطبة الوداع، ويؤكد بلا مواربة أن النشوز الذى يستوجب الهجر وما بعده إنما هو الفاحشة المبينة, فلو جمعنا اللفظين علمنا أن الفاحشة المقصودة هى تساهل الزوجة فى بيتها فى غيبة الزوج, وهذا بالضبط ما قلنا به من خلال تفسير الآية بالقرآن, فكيف ألمت الغفلة عن عمد بأهل التراث وفسروا النشوز المستوجب الهجر والشقاق بالعصيان وتركوا كل الأدلة الصريحة والصحيحة من القرآن والسنة التى توضح المعنى المقصود بالنشوز وهو نقيض العفة الزوجية.

إذن ماذا نستنتج من كل هذا؟
نستنتج أنه ليس فى الإسلام شىء اسمه ضرب الزوجة للتأديب مثل الحيوان، وحتى الحيوان نهى النبى عن ضربه, ونستنتج أن الله لا يظلم مثقال ذرة, ونستنتج أن المفسرين الأوائل فسروا النشوز بلا نظر فى وحدة الموضع ولا السياق ولا حتى حديث يصح عن النبى، بل إنهم قد أغفلوا عن عمد الحديث الصحيح الوحيد الذى فسر وأكد فيه النبى أن النشوز هو نقيض العفة وليس كما قال مفسرو القبيلة, ونستنتج أن آية النشوز لا تعدو تتكلم عن واقعة لا تكرر إلا نادرا فى البيت المسلم يستتبعها شقاق كبير حدد الله مساره بالوفاق أو الطلاق.

كما نستنتج أن ميراث الغفلة الذى ورثناه عن القوم ميراث يحتاج لوضعه فى المتاحف الأثرية، وأنه قد آن لنا أن ننهل فى فهمنا من النص مباشرة من خلال الاستناد إلى وحدة موضوعه وكليته وضبط تفسيره بمقاصد الشريعة العليا وأهدافها السامية واثقين بعدالة الإله المطلقة.

ولكن المؤسف حقا أننا نجد المخلوقات الوهابية تردد باستمرار على شاشاتها مفهوم ضرب الزوجات للتأديب، وكأن هذه الآية بتفسيرها المغلوط هى اختصار لهذا الدين العظيم, بل تجدهم يؤكدون أن السوط-الكرباج- هو العلاج الناجع لصلاح الأسرة المسلمة, والمؤسف أكثر أن البسطاء يصدقونهم بل يعتبرونهم شيوخ الهدى ومصابيح الدجى, رغم أن أقوالهم ما هى إلا طلع فاسد من رؤوس الشياطين, ولكن العزاء -غير المباشر- الذى يسرى عن النفس أن شرائط وحلقات ودروس هذه المخلوقات الوهابية إنما يفترشها البائعون على الأرصفة دوما بموازاة حذاء الناظر إليها, وحسنا فعل البائعون فإن ذلك هو المقام الطبيعى لغثائهم، مقام لا يعلو الحذاء أبدا, ولعل حذاء أحدنا يكون أكثر أهمية وشأنا ومكانة من أقوالهم.

أغسطس 17، 2014

لماذا تعاملت كتب التراث مع كل امرأة مسلمة باعتبارها مشروع عاهرة?!

يسألنى كثير من القراء عن الهدف والمغزى من الاهتمام فى كثير من مقالاتى بالتصدى والتفنيد لقضايا المرأة فى التراث الإسلامى, والإجابة عن ذلك السؤال، هى فى الحقيقة متناثرة ومُفرقة بين ثنايا جميع مقالاتى عن المرأة أو عن غيرها بلا استثناء, وهى أن المرأة المسلمة وحقوقها كانت إحدى الضحايا الكثر للفرق الذى نؤكد عليه مرارا, الفرق بين إسلام الشريعة وإسلام الفقه, فإسلام الشريعة الذى لا نعرفه اليوم ولا نعيشه ولا نذكره هو فى الحقيقة الذى حرر المرأة المسلمة من رق الجاهلية، وأطلق الكثير من الحقوق الأخرى فى مدى غير منظور، ليحاول العقلاء والمنصفون استكمال السبيل بذات الهدى النبيل، والسمت الراقى الذى نزلت به الشريعة، وكان حالّا فى التطبيق الأول لثلاثة وعشرين عاما قبل انتقال النبى لرفيقه الأعلى, ولكن وكما بينا بتوسع فى مقالنا «تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى» أن الروح الجاهلية ضد المرأة أخذت فى الوثوب والترقى من جديد بعد انتقال النبى لربه ولكن بشكل شرعى، وقد استوضح ذلك جليا وبعد سنوات قلائل من وفاة النبى، وتوقف التطبيق الأعظم للتشريع بسبيله القويمة, وقد بينا ذلك بدقة من خلال الكلمات التى ضمنّاها المقال المشار إليه عندما قالت أم المؤمنين «عائشة» لمن زعموا كذبا أن مرور المرأة والحمار والكلب يبطلان صلاة الرجل فقالت:» شبهتمونا بالحمر والكلاب»، وقد عقبنا بالشرح على هذه المقولة العبقرية لأم المؤمنين التى استشرفت بها الجاهلية التى أخذت طريقها للعودة فى الإسلام وقلنا نصا: «وهى بذلك قد أخرجت المعنى والسياق من سياق مصطنع للحديث يمثل شرطا تعبديا للصلاة إلى السياق الحقيقى وهو إذلال المرأة وتحقيرها ويا لها من فطنة حقيقية لأم المؤمنين».

وهذا بالضبط ما تبلور بعد عقود من وفاة أم المؤمنين «عائشة» فى صورة إسلام الفقه والتفسير الذى خالف وفارق وجانب إسلام الشريعة على نقيض.

وقد نقم علينا بعض القراء فيما وصفنا به أهل التراث، من أنهم أعادوا الجاهلية من جديد من خلال آرائهم الفقهية والتفسيرية, رغم أن الوصف الذى كتبناه عن عودة الجاهلية فى ذهنياتهم المتصورة ضد المرأة بالخصوص، إنما هو فى الحقيقة وصف متأدب ومتهذب ومتعفف بالأخلاق الحميدة أمام ما كتبوه وسطروه بكل جرأة وسفور على النصوص المقدسة فى حق المرأة المسلمة.

ورغم أنى لم أُضمّن فى كل المقالات التى اختصت ببيان ذلك من نصوص التراث البهيم إلا بقدر ما هو متواز أو متقاطع أو شارح لما نفنده ونناقشه, ولكن ذلك لم يمنع من وصول الصورة الذهنية الكاملة التى أرادها أهل التراث أن ترتسم للمرأة المسلمة فى دين الفقه وليس فى دين الشريعة, وهى الصورة المشوهة والجاهلية التى كانت تئد البنت رضيعة فى الجاهلية الأولى بذات أسبابها, فقد كان الجاهليون يئدونها لسببين أساسيين, الأول كان لمجرد أنها أنثى فهى بذلك المرشح الرئيس لاستجلاب الإثم والرجس للعشيرة والقبيلة البائسة, أما الثانى فلأن وجودها والعدم سواء، فهى فى أنظارهم لا تسمن فى عدة ولا تغنى فى عتاد, فقد كان الجاهلى يود دوما أن يكون أبا الفوارس الذى يورث عنترة, حيث جعلته جلافة البداوة وظلامها يعتقد أن الدنيا ما هى إلا سيف وفرس.
وتلك الأسباب برسمها وكنهها قد انتقلت متوشحة لباس الفقه والتفسير إلى كتب التراث لتخلف وأدا من نوع جديد, هو الوأد الفكرى والفقهى الذى كان فى أثره ومعناه ومداه أعمق وأشد غباء وحمقا من وأد الجاهلية ولو كان فى التراب.
لذا فإننا سنُضمِّن فيما يلى نصوصا أربعة مما اختطه أهل التراث فقها وتفسيرا، وذلك ليس بغية مناقشته وتفنيده كما نفعل دوما, ولكن لكى نستوضح من أى منبع وبأى رافد عادت روح الجواهل لتتقدم الصفوف التراثية فى الدين الموازى لدين الشريعة وترسم ذهنية الجاهلية الثانية.

أولا: المرأة رضيعة:
فى دين الشريعة السمح لم يوجب الإسلام مطلقا بأى وجه فى القرآن أو السنة الصحيحة نصا واحدا يوجب بتر جزء من أجزاء الجهاز التناسلى للرضيعة, أو ما اصطلح على تسميته فى دين الفقه «الختان», ورغم أننا سنفرد بالتأكيد لمقال خاص فى ذلك الشأن، فإن النص اللاحق لهذه الفرية فى ذلك المقام، أهم من النص السابق وهو الحديث المنتحل والمكذوب على النبى, وقد اخترنا النص الذى يبرر ويشرح -بزعمه- مراد الشرع من ختان -ذبح- الإناث ويرسم الذهنية الجاهلية فى النظر للمرأة منذ مهدها, اخترناه من فتاوى من لقبوه بشيخ الإسلام «ابن تيمية», ففى إجابته على سؤال «هل تختتن المرأة؟» يقول: «نعم تختتن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التى... قال رسول الله للخافضة وهى الخاتنة أشمى ولا تنهكى فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج.... والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة, ولهذا يقال فى المشاتمة يا ابن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا يوجد من الفواحش فى نساء التتر ونساء الأفرنج ما لا يوجد فى نساءالمسلمين». مجموع الفتاوى (21/114).
إذن لندقق جيدا فى كلام الأخ «ابن تيمية» لنرى ونستخلص كيف رسم دين الفقه لإهانة وإذلال المرأة منذ الرضاعة.


أقر «ابن تيمية» هكذا فى أول كلامه بوجوب الختان فى حق البنت، ثم عقب بعدها بحديث من المفترض أنه يبين به النص الشرعى الذى ابتنى عليه هو وأمثاله نص الحكم الفقهى, ولكن المعضلة أن «ابن تيمية» استشهد بحديث باطل لا يصح عن النبى من أى وجه مرفوعا أو موقوفا- الموقوف بمعنى أن نهاية القول فيه لصحابى-, وبذلك وضع ابن تيمية نفسه فى مأزق كبير, فلو كان عالما بضعف الحديث، وهو ما كان يعلمه يقينا الصبية الأغرار فى زمان «ابن تيمية» إذن فهو قصد بذلك التدليس وإظهار حكم بصيغة الشرع مما ليس فى الدين, رغم أنه هو الذى كان يتتبع دائما الأحاديث والروايات المؤيدة مثلا لموقف الأشاعرة فى العقيدة- وهى العقيدة التى عليها الأزهر الشريف ومعه مليارات المسلمين- وقد كان يكثر من قوله «أما هذه الرواية فلا تصح», فلماذا يا ترى تعطلت آلة سبر الحديث وتتبعه عند «ابن تيمية» فجأة لما كان الكلام عن ذبح للأنثى الذى أحله الفقه وحرمته الشريعة.

أما المصيبة التى تبين كيف كان هؤلاء القوم يفكرون ويستشهدون على آرائهم، فهو ما عقب به الأخ «ابن تيمية» بعدها من فيض علمه الهادر بقوله: «والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة, ولهذا يقال فى المشاتمة يا ابن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر».

وهنا يقول «ابن تيمية» كلاما قد لا يجد الحكيم كلاما مهذبا لوصفه ولا الرد عليه, فيقول إن المشاتمة عند العرب كانت بالتى يعرف عنها أنها لم تختتن فيقال لها «القلفاء» فلو عرف عنها ذلك كانت المشاتمة لابنها بالقول يا ابن «القلفاء», ورغم أن هذه هى أخلاق الفجر البدوى الجاهلى الذى جاء الإسلام ليمحيه، ولكننا سنتخطى ذلك فى قول «ابن تيمية» لننظر إذن ما عيب هذه المرأة «القلفاء» التى لم تختتن, فيخبرنا «ابن تيمية» أن الختان هو تعديل لشهوتها، لأنها لو لم تختتن وكانت «قلفاء»، ستكون لا شك مغتلمة و»الغلمة» هى هياج الشهوة الجنسية الشديد, ولهذا يبرر «ابن تيمية» أن القلفاء التى لم تختتن تتطلع للرجال أكثر أو بمعنى مقارب يريد «ابن تيمية» أن يقول إن التى لم تختتن هى مشروع عاهرة جاهزة للتصدير فى كل أسرة, وهذا كلام مستحقر فاسد, لا يقوله من يملك أدنى بصيرة, فحسب كلام الأخ «ابن تيمية» فهو قد حكم على أخلاق النساء المسلمات كافة بأن «زائدة جلدية» تتحكم فى أخلاقهن, لذا فإن الواجب هو وأد شهوتهن قبل أن يجلبن المعرة والفضيحة للقبيلة الشريفة, وهذا بالضبط بل بطريق أفحش وأسفل ما كان يفعله أهل الجاهلية الأولى من وأد بناتهم لذات السبب, ثم جاءت الجاهلية الثانية لتلبس هذه الآراء المريضة زى الفقه, وكأن المرأة حيوان ليس لديه أخلاق ولا تقوى ولا دين، فكل امرأة فى نظر هؤلاء الحمقى كما ذكرنا هى مشروع عاهرة, ورغم كم الجهل المجمل فى هذه الإجابة طبيا ودينيا وعقليا, فإن فيها الكفاية لبيان الذهنية التى رسمها دين الفقه كذبا عن المرأة منذ الرضاعة ولم يعرفه مطلقا دين الشريعة السمح.

ثانيا: المرأة طفلة:
وهنا ننتقل لنص ثان، انتسب للنبى بطلانا وبهتا أخرجه «الترمذى» يقول: «ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية», والمعنى الذى أسهب الجاهليون فى تأكيده أن بول الجارية-الفتاة الصغيرة- أنجس من بول الفتى المقارن لها فى السن, فبول الفتى ينضح يرش- وبول الفتاة يغسل, وقد أرغى وأزبد الإخوة الفقهاء والشراح فى بيان لماذا يصاحب القذر بول الفتاة ولا يصاحب بول الفتى لذا فهو بول طاهر, هكذا حتى الفتاة التى لم تبلغ بعد تجد نفسها محتقرة منذ نعومة أظفارها, رغم أن الحديث الذى يدعونه على النبى أخرجه الترمذى بسند موقوف ومرفوع, وفى الاثنين كان فيه «قتادة» وهو راو مدلس شهير, ولكن لا لوجود لحديث ضعيف عند هؤلاء القوم طالما يحقر ويحجم من المرأة من مهدها, وقد ألهم الله الحق للشافعى الذى تتبع السنة الصحيحة لبيان حقيقة تلك الفرية ثم قال: «وَلاَ يبين لى فى بول الصبى والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة»المجموع 2/590، وحاشية الجمل 1/188-189.
إذن فهذا هو الذى يرسمه دين الفقه للمرأة الطفلة ولم يعرفه دين الشريعة, ورغم ذلك ما زالت هذه الأقوال تنسج فى فتاوى ويسبح بحمدها ليل نهار فى الفضائيات التى تحاول بناء مجد الأمة الإسلامية بدءا من نمص حواجب المرأة وصولا إلى غسل بول الجارية.

ثالثا ورابعا: المرأة شابة وزوجة:
وفى هذين النصين سنقرأ كيف اجترأ القوم ليس فقط على رسم ذهنية الجاهلية الثانية بالاعتماد على آثار ضعيفة, ولكن على دس هذه الآراء الذليلة بين ثنايا تفسير القرآن العظيم.
فنقرأ النص الأول من تفسير القرطبى فى معرض تفسيره للآية الرابعة عشرة من سورة «آل عمران» يقول: «قوله تعالى: {مِنَ النِّسَاءِ} بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان.... وروى عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب». حذرهم رسول الله؛ لأن فى إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال» الجامع (4/29).
وهكذا كانت الذهنية حاضرة حتى فى تفسير النص الأروع فى التاريخ «القرآن», ولم يرحم «القرطبى» نفسه ولا المسلمين من الحشو والتفريغ لتثبيت ذلك الكلام المتهاوى, فهكذا حكم الرجل بأن النساء هن حبائل الشيطان, ولا أعلم من أين استقى «القرطبى» علمه الخاص الذى أعلمه أن نصف نساء أمة النبى هن حبائل الشيطان, وكيف امتلك الجرأة على دس ذلك الرأى الذى يتخذ مظهر الحكم بأن النساء حبائل الشيطان فى تفسير القرآن, ولكنها ذات الذهنية التى افترضت عند «ابن تيمية» فى دين الفقه أن النساء بغير ختان هن مشروع جاهز للعهر الجنسى، لذا فإن ذلك موصول بتلك ليواصل دين الفقه والتفسير زعمه الكاذب أن النساء حبائل الشيطان, بل إن «القرطبى» لم يفارق «ابن تيمية» فى التتبع بل طابقه رسما ومعنى, فقد حذا حذوه بتضمين كلامه بحديث باطل لا يصح عن النبى من أى وجه, وهو ما نقله بهتانا بقوله: «لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب» وتفضل «القرطبى» متكرما بشرح أن إسكانهن الغرف يقربهن من الرجال, وهذا قريب من وقوع الفتنة, وأن تعليمهن الكتاب -الكتابة- فتنة أشد لأنها باب للقاء الرجال, وهكذا ذات الخطوات وذات الجاهلية الثانية وذات الأحاديث الباطلة الموضوعة للاستشهاد هى سبيل مرسوم لأهل التراث, وسبحان الله فى قوم كهؤلاء.

أما النص الرابع فهو نص ظللت لسنوات أحاول أن أفهم كيف كتبه «الرازى», أحاول أن أستحضر الظرف والدليل الذى أوصله فى النهاية لكتابة مثله فى التفسير, ولكننى تيقنت فى النهاية أن ذلك من المحال, فقد قال «الفخر الرازى» فى معرض تفسيره للآية (21) من سورة الروم: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».

وهى من أعذب وأرق آيات القرآن فى الحديث حول فلسفة الخلق الإلهى الكامل للنفس البشرية, نجد «الفخر الرازى» يكتب معقبا ومفسرا لهذه الآية بما لا عين رأت ولا عقل وعى.
فيقول نصا: «خلق لكم دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع كما قال تعالى:«خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا», وهذا يقتضى ألا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف فنقول خلق النساء من النعم علينا, وخلقهن وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا, وذلك من حيث النقل والمعنى والحكم.

أما النقل فهذه وغيرها. وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها, وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة, فشابهت الصبى لكن الصبى الذى لم يكلف فكان يناسب ألا تؤهل المرأة للتكليف, لكن النعمة علينا ما كانت لتتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم ولولا ذلك لظهر الفساد» تفسير الفخر الرازى (13/111).
وهذا النص وصل فيه «الرازى» إلى نقطة العلو لما لم يسبقه إليه سابق, فلم يقل ما قاله القرطبى أو غيره, بل إن ما قاله لم يقله أحد من العالمين من عرب ولا عجم ولا عقلاء ولا سفهاء, فالرجل يقول صراحة إن المرأة مخلوق خُلِقَ لمنفعة الرجل مثل الحيوان والنبات تماما, وأنها فى الأصل غير مخلوقة للعبادة لأنها من جملة المنافع للرجل فقط, وأن الله أوشك ألا يفرض عليها تكاليف لولا أن أراد أن يتم النعمة على الرجل فجعل للمرأة تكاليف وعبادات، وهذه التكاليف فى ذات الوقت ليست موجهة نحوها بالضرورة الأصلية ولكنها موجهة إليها عرضا, لأن المرأة سخيفة وضعيفة الخَلْق والبنية الجسمية وهى مشابهة تماما للصبى الصغير فليس لها عقل ولا قوة, ولكن الصبى أفضل منها أيضا لأنه سيكلف فيما بعد, ولكن هى ستظل كذلك على ما هى عليه ناقصة القوة والعقل, وأن الله إنما فرض عليهن التكاليف حتى ينقدن للرجال وينزجرن وينصعن ولا يقربن الحرام الذى هو دائما قريب لطباعهن لولا الخوف من العذاب وبخلاف ذلك فقد كان للمرأة هذا المخلوق الحيوان أن يظهر فسادا كبيرا.

إذن فهل يعقل أن الرجل كان فى وعيه الكامل وهو يكتب ذلك بل يجترئ على ضمه إلى تفسير القرآن العظيم, وهل يعقل أن الرجل كان ليس صاحب هوى أو معقدا من النساء لغرض فى نفسه وهو يخط ذلك الإسفاف, وهل تذكر الرجل أمَّه التى ولدته وربته وأنضجته ليكتب هذا الفحش والإثم والعدوان عليها بعدما تعلمت يده الكتابة.
والله إن العقل ليعجز عن تصديق أن هؤلاء القوم كانوا من البشر أمثالنا, ووالله لو أن الشيطان أراد أن ينزل بالنص القرآنى من عليائه ويضع بجانبه هذه السفاهات الأثيمة المستحقرة ما استطاع لذلك سبيلا. ولمَ يفعل وقد أغناه أهل التراث عن ذلك, بل إن اليهود حتى لما احتقروا المرأة وجعلوها من «الأغيار» لم يقولوا صراحة أنها حيوان ذات منفع فقط لمتعة الرجل.


والحقيقة أن النص شارح لنفسه فهو متفرد لا مثيل له فليس هناك ما يقال تعقيبا عليه, ولكن هو بيان بذاته وغنى بحاله ودليل على نفسه وكاتبه بكل ما حمله تراث الدين، دين الفقه والتفسير, وكان يتخطى بمراحل حتى ما كان يكنه أهل الجاهلية من كراهية واحتقار للمرأة فى كل أطوارها.

خامسا: المرأة فى الجنة:
وهنا نجد أيضا عجبا لم نر مثله, فقد صنف «السيوطى» رسالة بعنوان «إسبال الكساء على النساء» مفادها وخلاصتها أن النساء حتى إن دخلن الجنة فإنهن محرومات من رؤية الله بخلاف رجال الجنة, والسبب كما يزعم «السيوطى» أن النساء غير مشمولات فى كل الآيات والأحاديث التى ذُكرت عن لقاء الله للمؤمنين, بل إن الطرافة والفساد فى آن هو إجابة السيوطى عن سائل يقول له «لو أن الأمر مقصور على الرجال الأحرار لكان العبيد ممتنعون من رؤية الله ولقائه وهذا غير ثابت», فيرد «السيوطى» بأربعة أدلة أن العبد المملوك هو أفضل من المرأة, ولكن أطرف الأدلة الأربع والذى يستحق النظر هو الدليل الأخير الذى يقول فيه «السيوطى»: «وهناك فرق رابع وهو أن الرق يزول بالموت وأما الأنوثة المقتضية للستر فمستمرة». إسبال الكساء (35).
فحتى الآخرة والجنة لم يتركها القوم للمرأة حلالا سائغا, فهى محرومة من نعيمها أيضا, والمدهش أن السيوطى استشهد ودلل على رأيه الفاسد بأقوال وتلافيف مضحكة إلى حد الرثاء, ويستطيع الصبى الغرير استبيان فسادها.

إذن:
هذا هو حال المرأة المسلمة فى تراث دين الفقه والتفسير, هذا هو حال المرأة رضيعة وطفلة وشابة وزوجة وحتى فى جنات عدن فى نظر هؤلاء المأفونين, هذه هى النصوص التى تتحدث بهذا التطرف والإسفاف فى حق أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا ونساء المسلمين, هذه هى الحالة المرضية المستعصية التى اجتاحت العقول بعد عقود قلائل من توقف التطبيق الأول لدين الشريعة مع وفاة النبى, هذه هى النصوص الملتاثة العفنة التى تسللت إلى الوعى المسلم لتشكل مع نصوص كثيرة متضافرة صورة المرأة الذليلة المقهورة من مهدها إلى ما بعد لحدها.

لذا فإنه لا تثريب على أجيال مغيبة الوعى نشأت على احتقار المرأة فى كل شىء, ولا تثريب على الوهابية إن أخذت من ذلك المعين النجس وزادوا عليه كثيرا من عندهم طغيانا وكذبا.
هذا هو ميراثنا الذى ما زال البعض لا يجترئ حتى على تنقيحه, ميراث الغث والهوى والتطرف والعدائية وقلة الحياء إلا قليلا مما رحم ربى, هذا هو الموروث الذى لم يستح أهله وخُطَّاطُه ومقدسوه أن يرموا بمائه الراكد العفن على هدير الشريعة الرائق, هذا هو الموروث الذى ينقم علينا بعض الصبية فى تعقبه حيث يجب ألا نمسه إلا ونحن مطهرون, هذا هو السد الأعمى الذى حجب عن الوعى المسلم أن يتبصر ويتدفأ من ضياء الشريعة المحجوب خلف ظلمته وجهالاته وغيه.

وهذا هو ما فعلناه وسنفعله دأبا لبيان وتتبع وتعرية هذا التراث بيانا لا يغادر سقما.

الباحث الإسلامى المصحح الدكتور / إسلام بحيري: تحكيم العقل في النص التراثي


السفهاء قديما وحديثا تناسوا العقل وأهملوا الفطرة والتفوا حول النص ليخرجوا لنا حفنة من الروايات الممهورة بختم الجودة المقدس طالبين من العقل المسلم ويشترى عقله وقلبه بمروياتهم البالية التى أتت على النقل والعقل معا إلا ما رحم ربى










مر تدوين الحديث النبوى بمراحل شتى من التطور والارتقاء, بدءا من الانتقال الشفاهى بين الصحابة ثم مرحلة تداول الحديث النبوى بين طبقة - جيل التابعين, ثم ظهرت طبقة - جيل - صغار التابعين وتابعى التابعين وظهر معها الكذابون والمدلسون وأصحاب الغرض ومنتحلو الأحاديث لأسباب سياسية أو دينية أو مذهبية, وبالتوازى مع ذلك تطور النقل الشفاهى إلى مرحلة أولى من التدوين المكتوب مع نهاية القرن الهجرى الأول, وقد كان التدوين المكتوب يمثل حينها خطوة مبدئية مضادة لقلة الحفظ وفساد الذمم وانتشار الكذب على رسول الله, ثم بدأت بعدها مراحل من الترقى والنضوج لفكرة علوم الحديث ومصطلحاتها كخطوة ثانية فى طريق تنقيح المروى عن أو على رسول الله فظهر بالتدرج الاعتناء بالسند وهو سلسال الرجال الذين نقلوا الحديث واحدا عن الآخر أو جماعة عن الأخرى وصولا إلى الصحابى أو الصحابة الذين سمعوا قول النبى بالمباشرة.


وقد أسهبنا فى كثير من مقالاتنا السابقة فى شرح وتفنيد الإيجابيات والمثالب التى تطرقت إلى التطبيق العملى والواقعى لظهور فكرة الاعتماد على السند فقط فى تصحيح أو تضعيف الحديث, ولكن ما يعنينا فى ذلك أن السند -وبعيداً عن تطور فكرته واستحكام قوته مع بداية القرن الهجرى الثالث- كان إيذانا ببدء التطور للخلف أو العد العكسى لظهور الأحاديث الضعيفة والموضوعة والباطلة وتسللها بل واضطجاعها فى ما سمى بعد ذلك بالكتب الصحاح وكتب المسانيد، رغم إنه من المفترض للنتيجة أن تكون عكسية بالنسبة لتطور الاعتماد على فكرة السند بحيث تقل الأحاديث والروايات الضعيفة والباطلة نتيجة التثبت من ذلك عن طريق السند, وهو ما يبرز السؤال لماذا تطورت النتيجة سلبا وليس إيجابا هل لخطأ النظرية أم خطأ التطبيق أم لخطأ الآلية المصاحبة للتطبيق والنظرية.


وكما ذكرنا سابقاً فى كثير من مقالاتنا أن فكرة السند كنظرية تطورت تطورا عكسيا بحيث أصبح السند من سبيل ووسيلة يستوثق منها وبها من قوة وضعف الرواية أصبح بعد اكتسابه قوة أكبر من حجمه قيدا على الحرية فى قبول أو رد الروايات فلم يصبح بعد تعاظم دور السند من الممكن أن يرد أو يضعف حديث فاسد وطالح المتن - النص - لمجرد أنه كان فى نظر بعض التراثيين ورد بسند قوى أو ما دونه مما يصححه التراثيون كرامة لصاحب المصنف الكتاب - وليس تثبتا من صحته حسب القواعد المنظرة.


أما على مستوى التطبيق فقد شاب تعاظم دور السند كما بينا سابقا تقزيم لدور التنقيح الذى يجب أن تمر عليه الرواية على مستوى المتن - النص - لكى نحكم بظنية تقترب من اليقين أن تلك الرواية عن أو على النبى قد قيلت أو وقعت, ولكن الذى حدث على المستوى التطبيقى أن الضوابط التى وضعها المنظرون الأوائل الذين كان بعضهم متجردا من الهوى والتقديس للبشر كانت كقبض الريح ضوابط تزينت بها جنبات الكتب والمصنفات دون تطبيق على المستوى العملى رغم تواتر الأدلة والقرائن الصحيحة والقاطعة المروية عن كبار أشياخ الصحابة فى ضرورة التثبت من النص بعرضه على هذه الضوابط, وهى، وكما دونها المحدثون الأوائل, الضابط الأول لعدم مخالفة الرواية للظاهر الصريح من آيات القرآن, أما الضابط الثانى فعدم مخالفة الرواية لصريح المعقول - العقل.


فلما غابت هذه الضوابط -التى كان أول من أصَّل لها كبار الصحابة- عن التطبيق العملى, انساحت وانسابت الروايات الضعيفة والباطلة فى كل كتب الصحاح بلا استثناء لتمثل وعيا مغايرا عن أحاديث النبى ووقائع أحوال النبوة ومجتمعها.


اجهاض فكرة عدم مخالفة الرواية للعقل:
ولكن ما يسترعى الالتفات والنظر والتبصر هو ضابط ثالث وباب هام غفل عنه التراثيون ولم تتنبه له الدراسات المعاصرة التى حاولت وتحاول تنقيح الصحاح مما علق، ليس بها، ولكن بالسنة النبوية قولاً وفعلاً وأحوالاً.


ففى حين نجد التراثيين وأتباعهم المعاصرين يهربون من الضابط الثانى لقبول الروايات والحكم عليها بالصحة والضعف وهو ضابط عدم مخالفة الرواية للعقل, بقولهم إن العقول متفاوتة ومتباينة فكيف نحكم على الرواية بالعقل وإذا حكمنا عليها بالعقل فأى عقل نحتكم إليه, ومن هذا السبيل والقبيل انتهى التراثيون عمداً لإجهاض فكرة عدم مخالفة الرواية للعقل بالوصول إلى النتيجة الخبيثة أن العقل المقصود هو عقل المحدثين والفقهاء وأهل الذكر, وعلى ذلك أصبح ليس من حق العقل المسلم الفرد أو الجمعى أن يناقش تضعيف أو تصحيح الأحاديث التى دونها وأخرجها الأولون فى مصنفاتهم لا بالنقل ولا بالعقل على اعتبار أن عرض الرواية على النقل القرآن - أو عرضها على العقل إنما هو حق خالص سائغ للمحدثين من التراث أو عبيدهم من المعاصرين المسجونين بين دفتى كتبهم لا يخرجون عنها فتيلاً, ومن هذا تبلور عند العقل المسلم المعاصر أن تنقيح الروايات التى انتسبت اصطلاحاً ومعنى للسنة النبوية هذا التنقيح يعتبر خروجاً عن الجادة بل يعتبر خروجاً عن الدين, رغم أنه فى الحقيقة لا يمثل إلا خروجاً على عقول المحدثين والفقهاء الذين قبلوا وصححوا ودونوا وأخرجوا ما يناقض القرآن صراحة ومعنى ومبنى, ويضاد العقل صورة وفهماً وإدراكاً.


وهنا نعود للضابط الغائب أو المغيب وهو الذى يتعدى الضابطين السابقين, أو لنقل الضابط الباقى للمسلم الفرد, فإذا كان التراثيون وتابعوهم من المعاصرين الذين نصبوا أنفسهم كأرباب ينافحون ويدافعون عن كل ما خطت وجادت به أقلام الأولين, فإن للمسلم الفرد فطرة خلقة الله وهى منزرعة فيه, فطرة تسبق العقل الذى احتله أهل الحديث والفقه, فطرة سليمة ومتساوية عند كل واحد من المسلمين بل من البشر كافة, فطرة يستطيع المسلم أن يميز بها الحسن من القبيح, والصحيح من السقيم, والكذب من الصدق, هذه الفطرة التى أغفلها التراثيون ولم يقيموا لها وزناً, والتى أهملها المعاصرون رغم أنها تمثل الباب الواسع للمسلم الفرد أن يستعيد بها المساحة التى احتلت قهراً وغصباً من السادة أهل الذكر إن كنتم تعلمون أو لا تعلمون.


لماذا الفطرة والذوق يعدان ضابطا لقبول الرواية:
لم يخل رد ولا رسالة من القراء طوال عام فائت تعليقا أو تأييدا لمقالاتنا التى اهتممنا فيها بتبيين ضعف عدد من الروايات التى انتسبت للسنة من باب أنها دونت فى الصحاح، إلا ويكاد يكون الرد متطابقا من السادة القراء ومفاده جملة مكررة «كنت دائماً أرفض تصديق تلك الرواية أو الحديث ولكنى لم أملك الدليل على ذلك من قواعد العلم», وهذه الجملة وهذا المفاد هو ما يؤكد ما نذهب إليه بأن الفطرة السليمة والذوق السوى بعيداً عن مغلقات ومتاهات علوم الحديث دراية ورواية, ولأننا نحاول جاهدين أن نسردها مبسطة ومنثورة فى مقالاتنا, هذه الفطرة السليمة والذوق السوى قادر على أن يمثل مرحلة فرز هامة للغاية فى قبول المسلم الفرد للحديث أو الرواية بعيدا عن جهالات التراثيين وأتباعهم الذين احتلوا العقل بدعوى أن قياس العقل متفاوت, ولكن الفطرة هى الانزراع الإلهى بداخل كل نفس بشرية, وهذا ما دعانا للتفكر ودعا السؤال للبروز, لماذا كان القراء والمعلقون من خلال رسالاتهم -رغم اختلاف مشاربهم وعقولهم وثقافاتهم- يجمعون فى قول واحد وكلمة سواء على رفض الرواية الباطلة أو الحديث المنتحل حتى ولو كانوا لا يملكون دليلاً على هذا الرفض الذى تأباه فطرتهم وذوقهم السليم.


الفارق بين الفطرة والعقل:
قديماً دخل المعتزلة فى جدال طويل مع مخالفيهم من الفرق الأخرى حول معرفة القبح والحسن هل هو بالعقل أم بالشرع, ولكن الإشكالية أن المعتزلة كانوا يقصدون بالحسن والقبح معنى الحلال والحرام, بمعنى أن المعتزلة كانوا يرون أن العقل قادر على معرفة الحلال والحرام قبل أن يعلم ذلك من التشريع, وكان المخالفون من الفرق الأخرى يرون أن الحلال والحرام لا يعرف إلا بالتشريع وليس للعقل دور فى ذلك, والحقيقة أن النتائج لهذا السجال الفكرى الطويل كان يمكن لها أن تكون أوفى وأعمق لو أنها تطرقت للتفرقة بين العقل والفطرة, وهما الشيئان اللذان لم يعن المعتزلة ولا مخالفوهم بالتفرقة بينهما, بل ضموا الفطرة مع العقل فى سلة واحدة, وذلك ما مثل خطأ منهجياً فى إغفال دور الفطرة والذوق السوى فى معرفة الحسن والقبيح بعيداً عن قياس القبح والحسن على الحلال والحرام.
فلو كان العقل كما يزعم التراثيون لا يستطيع معرفة الحلال والحرام أو الحسن والقبح بشكل ذاتى لأنه متفاوت بين الناس صعوداً وهبوطاً, سلباً وإيجاباً, علماً وجهلاً, ذكاء وغباوة, فإن التشريع فى ذات الوقت يكون لا معنى له لو تم التعامل معه بغير هذه النعمة الكبرى «العقل», وهذا ما يعيدنا للكرة الأولى أن العقل لديه المقومات لذلك ولكنه فتر وخمد لما تم احتلاله من أهل الذكر.
ولكن الفطرة وهى التى تستطيع وبكل سهولة التعرف على الحسن والقبيح بلا مقومات ولا تثبت ولا أدلة, لأن الحُسن والقبح ذاتيان فى ذلك والفطرة زرع إلهى فى داخل النفس البشرية يستطيع أن يفرز بالأصل السليم والمرجع السوى الذى خلقه الله فى كل نفس على سواء.
ولكن الزاعمين قديماً وحديثاً ادعوا أيضاً أن الفطرة متفاوتة وأنها تنتكس وتنشط, وهذه حجة فارغة من المعنى والحقيقة, لأن انتكاس الفطرة حتى لو سلمنا بوجوده إنما يكون فى الظاهر منها لا فى أصلها الثابت الدائم, ولذلك فإن كل نفس بشرية اتفقت على أن فضلات البشر وروث الحيوانات هى أشياء مقززة لا تستسيغها النفس البشرية مؤمنة أو كافرة وذلك دون أن تتعلم ذلك أو تدركه, وكذلك اتفقت النفوس البشرية رجالا ونساء على تجاذب الطرفين لبعضهما دون أن يدركا سببا لهذا التجاذب إلا أنها الفطرة التى تعطى وتدفع بالمعلومات الأساسية التى زرعها الله فيها لضمان استمرار النوع البشرى, ومن ذلك وغيره نستطيع الاستدلال على قوة الفرز للفطرة السليمة والذوق السوى فى معرفة الحسن والقبيح ذاتيا.


الفطرة فى القرآن:
تأكيداً على قوة الفطرة وسلامتها أصلا وليس ظاهرا فى كل نفس بشرية, يحدثنا رب العزة فى سورة الأعراف عن استواء التكوين الأساسى واكتمال الفطرة الأصل فى قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ» (173,172) الأعراف, وهنا يحدثنا رب العزة عن الفطرة فى كل نفس بشرية مؤمنة أو كافرة أنها فى عالم بعيد عن الماديات الجسدية آمنت بالله إيمانا تاما بل وشهدت على نفسها بذلك الإيمان, وهذا ما يؤكد ويبين معنى الفطرة وقوة الحقيقة فى داخلها حتى لو خالف الظاهر المادى هذه الحقيقة, فكل مؤمن وكافر هو فى النهاية ذو فطرة مؤمنة وموحدة بالله, لذلك فإن إغفال دور الفطرة وتهميش فرزها عند المسلم الفرد هو نوع من سحق القلة المتبقية للمسلم لمواجهة أصنام الجمود التراثية, ومجابهة أعاصير الجهل والغباوة الوهابية.


وكذلك نجد رب العزة يقول مؤكدا على ذلك المعنى فى سورة الروم «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ» الروم 30.


ومما لا شك فيه أن هذه الفطرة السليمة إنما هى الأداة الإلهية التى بسبيلها ومن خلالها يستطيع المسلم الفرد أن يفرز بها كثيراً من الترهات والجهالات التى ضمت عسفا وقهرا إلى كتب التراث, لأن تلك الفطرة من الله تعالى كما أن التشريع كذلك من لدنه, لذا فلا يمكن للفطرة أن تشمئز من التشريع الثابت اليقينى وهو «القرآن».
ولهذا نجد أن القرآن يحدثنا عن أحد أهم القصص الكلاسيكية الجنسية فى تاريخ الأنبياء, وهى قصة نبى الله «يوسف» مع امرأة العزيز, ولأن الفطرة والذوق لا يتصادمان مع التشريع, ولأن الاثنين مبعثهما هو رب العزة, فنجد القصة تمر على ألسنة المؤمن وأسماعه لتزيده إيمانا وتثبيتا, وذلك لحسن الانتقاء للألفاظ وعبقرية التصوير التعبيرى الساتر السابغ فى قصة تبدو مليئة بالشهوة, وكذلك روعة النظم والتركيب البيانى الذى يوازن بين الجسد والروح, بين النية والعزم للوقوع فى الخطأ وبين التذكير بأن الله موجود وحاضر فى النفس البشرية حتى ولو بدا ذلك خافيا, ولذلك نجد الفطرة للعالم والجاهل على سواء لا تنفر ولا تشمئز من استقبال هذه القصة فى القرآن بكل تدبر وخشوع, ومثل ذلك كثير من الدقائق التى تطرق لها الكتاب الحكيم.


وذلك ما يؤكد التوافق والتماهى بين النص المقدس اليقينى الثبوت وبين الفطرة السليمة السوية, تماهياً وتوافقاً لا يكاد ينفصم ولا يتضاد, ولكن ذلك التماهى لا نلمسه فى كثير من الروايات التى تنفر منها الفطرة السليمة بعيداً عن العقل واستدلالاته, وهو ما يعيدنا لأول قول بدأنا به أن الضابط المغيب والمنسى والمتبقى للمسلم الفرد أن يرفض الرواية التى يسمعها أو يقرأها. هى فطرته السوية التى خلقها الله بداخله, حتى يأذن سبحانه بتبيين ذلك أمام عقله بالدليل والبرهان, وهو ما يعيدنا بالتبعية إلى الكلمات المكررة بشكل متطابق, والتى يؤكد فيها الأصدقاء القراء فى رسائلهم وتعليقاتهم أنهم لم يصدقوا يوماً هذه الرواية أو تلك, وهذا الرفض إنما هو أكبر دليل على أن الفطرة ما زالت تفرز وتنتقى الصحيح من السقيم والكذب والدجل من الصدق حتى لو كان التراثيون والوهابيون يحتلون كل مساحات الحرية والتفكير والنقد فى العقل المسلم إلى حين.


إذن:
لا يجب أن يخشى المسلم الفرد من إعلان استهجانه لرواية سمعها أو حديث قرأه, ولا يجب أن يخشى المسلم الفرد من إعادة النظر فى المتلقى عن النبى طالما أننا علمنا أنه نتاج تدخل فيه الكذابون والوضاعون والمدلسون, فمقابل جهل المسلم الفرد فى الغالب بالعلم وأصوله يملك أداة الفرز الإلهى بداخله لتميز له الحسن من القبيح ولتبين له الكذب من الصدق, وقديما قال «المعرى»: «كل عقل نبى», وقد قصد بذلك أن كل فطرة نبى, كل فطرة تستطيع الفرز والتحقق بالذوق السوى السليم الذى وضعه الخالق فيه.
هذه الفطرة المتقدة دوما عند المسلم الفرد التى يتطلع العقل إلى التدليل على تصديقها هى الأمل الحقيقى والوحيد أن يقبل العقل والوعى المسلم أى مشروع لإعادة تنقيح السنة وكتبها بعين ناقدة وبصيرة نافذة, لأن فرز الروايات التى انتسبت للنبى زوراً إنما يبدأ من رفضها أولا ثم ينتهى عند تقديم الورقات العلمية والدراسات والمقالات التى تدلل على ذلك النحو.


ومن الغريب والمدهش أنه ما من رواية ولا حديث منتحل عن النبى ترفضه القريحة السوية داخل المسلم الفرد إلا وهى فى الأساس رواية ضعيفة أو حديث باطل حتى لو اتخذ حصانة متوهمة من خلال قبوعه بين جنبات كتابى البخارى ومسلم, وقد بينا ودللنا على ذلك فى كثير من مقالاتنا.


فالفطرة السوية تعرف جيداً وبعيداً عن متاهات السند والمتن أن النبى قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق», وكذلك ذات الفطرة السليمة والذوق النقى يعرف أن الحديث المروى عن النبى أنه دخل عليه رجلان فكلماه بشىء لا أدرى ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان قال وما ذاك قالت قلت لعنتهما وسببتهما قال أو ما علمت ما شارطت عليه ربى قلت اللهم إنما أنا بشر فأى المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً»


هو قول باطل لا يصح حتى لو أخرجه «مسلم», وهكذا نجد الكثير من الروايات الباطلة إنما تفرزها القريحة السوية وتؤيدها العقول الناقدة المتحررة من أغلال الأسر التراثى وسلاسل الجهل الوهابى المظلم.


وعلى هذا المنوال يجب أن ينظر المسلم من خلال ذوقه الذى لا يتصادم مع النص المقدس دوما, وعلى هذا النسق يجب أن يوقن العقل المسلم أن فطرته السوية دليل فى حد ذاتها على التمييز النقى الصافى حتى ولو لم يتح لوعيه أن يستقبل تثبتا مادياً على ذلك التمييز, لأننا يجب أن نوقن أنه هكذا تكلم النبى وهكذا كان وهكذا تكلم عنه القرآن بقوله «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ولكن السفهاء قديما وحديثا تناسوا العقل وأهملوا الفطرة والتفوا حول النص ليخرجوا لنا حفنة من الروايات الممهورة بختم الجودة المقدس, طالبين من العقل المسلم أن يأتم بهم ويشترى عقله وقلبه وفطرته بمروياتهم البالية التى أتت على النقل والعقل معا إلا ما رحم ربى, المرويات التى أتاها الباطل من بين يديها ومن خلفها, المرويات التى تتقد لها الفطرة السوية والوعى المفرد والجمعى ليستطيع أن يملك حرية التحديد بنفسه ولذاته أن النبى تكلم هكذا ولم يتكلم كتلك, بعيداً عن أختام الجودة التى أصبحت مخالفتها تستوجب عند المأفونين سلاسل وأغلالاً وسعيراً.

أغسطس 09، 2014

اشتعال "فيس بوك وتويتر" عقب وصف خطيب التحرير صحيح البخارى بـ"المسخرة"

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" و"تويتر"، بالغضب والاستنكار عقب تصريحات خطيب التحرير محمد عبد الله نصر، الذى وصف فيها صحيح البخارى بالــ"مسخرة"، وزعمه بأن عذاب القبر ليس من الثوابت، بالإضافة إلى تطاوله على مؤسسة الأزهر، مطالبين شيخ الأزهر بالتدخل الفورى لوقف مثل هذه التجاوزات.
 
وأليكم بعض التعليقات التي جاءت علي الفيسبوك في هذا الصدد:

1

كعادة بطىء فى اتخاذ القرار - نصحى لما تخرب مالطة

بواسطة: العربى
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 08:55
يجب محاسبته - وان يخلع العمامة و الجبه - ويشتغل مقرء فى المقابر - كفايه عليه
2

الراجل بيتكلم بالعلم فردوا عليه بالعلم والادب....والرجل طالب مناظره علنيه فلماذا السب والش

بواسطة: وليد
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 09:06
اتعلموا اسلوب المناقشه
الدليل يناقش بالدليل وليس بالسب والشتم
3

هذا رجل مفكر...هل الغاء العقول من ثوابت الدين الاسلامي؟؟؟؟

بواسطة: البراءه
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 09:11
ولو كان الغاء العقول من ثوابت الدين فايهما خطأ الدين ام هيا نلغي عقولنا؟؟؟
هل التخلف من ثوابت الدين الاسلامي وان كان التخلف من الثوابت فايهما خطأ هل وجب علينا ان نكون كلنا متخلفين؟؟؟؟
4

نحن من حتى نخوض فى عظماء الاسلام

بواسطة: مصطفى السعدى - الاقصر
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 09:47
يجب على كل متحدث ان يحترم تلك الائمة فقد مر الزمان والمكان وكان في التاريخ ما كان واثبت التاريخ ان تلك الائمة على ثواب لان جهادهم كان من اجل جمع الكلمة الطيبة واثبت التاريخ ان الناس هم من فهموا الدين خطأ وبسبب سؤء فهم حدثت الخلافات في الرأى لكن المنهج ثابت فنرجوا في هذه الفترة الابتعاد عن تخطيئ الائمة العظام لانهم على الحق ونحن على الباطل نحن مشتغلين بالدنيا وهم اشتغلوا بالاخرة في عهدهم كان الاسلام مذدهرا ولا يوجد لغط في ذلك فكتبوا مانقلوا بالبحث والاجتهاد والجهاد وانتقلوا وسافروا بلدوان سيرا على الاقدام او ركوب الدواب فيجب ان نبتعد كل البعد عن تسفيه العظماء وربنا يهدى الجميع لتمر الامة بسلام من هذه الحقبة الزمنية التى باتت الكلمة تلقى من الفيه بدون وعى او ادراك
5

العبث بالأديان ......

بواسطة: د. خميس محمد
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 09:48
طالما انه يهلل للنظام الحالي فلا حرج عليه اهم شيئ ان لا يعيب في النظام القائم لقد اصبح العبث بالدين مباحا للجميع
6

فين الرقابة

بواسطة: محمود البلتاجى
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 10:05
المفروض قبل مايعرض اى شىء على الناس يعرض على الرقابة لان دة دين مش اى كلام وتقوم الدنيا ومتقعدش بسبب اى كلام فى الدين حرام عليكم مش اى شيخ يطلع على الهواء ويخرب عقول الناس ويشككهم حتى فى كتب الازهر والتعليم الازهرى هو يريد النيل من الازهر واشك انة مزقوق على الازهر لهدم الازهر من الاخوان واتباعهم ربنا يرحمنا ويعافينا من هؤلاء المشايخ اللى اصبح عقلهم شايخ وياريت الازهر يرد علية فى برنامج على الهواء فانا دارس بالازهر ولم ارى اى شىء مما يقولة هذا الجاهل
7

نحن لا نصنع آلهة، ونقول إن البخارى شخص عادى وكتبه من أصح الكتب

بواسطة: ماجد المصري
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 10:16
الجعجعة الفارغة. لم يستطيعوا المجادلة فاتهموه بالجهل. الكلام عن الاستنجاء باوراق التوراة و الانجيل صحيح. انا اتهم كتب التراث بازدراء اليهودية و المسيحية. و الاضل تدرسونها و تصرخون من التطرف و ان المتطرفون لا يمثلون الاسلام. تحقرون الاديان كلها و ترفضون مناقشة الاسلام.
شيزوفرينيا اسلامية.
8

اذا كان البخارى كتابا مقدسا اذا فلتتحملوا تسليط الضوء على فضائحه

بواسطة: سمير المصرى
بتاريخ: السبت، 9 أغسطس 2014 - 10:39
أكد الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن كتاب صحيح البخارى هو أصح كتب الحديث!!!! اذا كان هذا هو رأيكم فى البخارى بانه أصح كتب الحديث!!!!يبقى لاتنطقوا البتة لنفى الفضائح والأعمال الكارثية التى يستخرجها الكثيرين منه على سبيل المثال ان عمر بن الخطاب كان لوطياً وشاذاً جنسياً وأرضاع الكبير وهمجية قتل أطفال وسبى نساء يهود بنى قريظة واكل لحم المرتد وشيه وكثير من الفضائح اللى موجودة فى البخارى وأمثاله والى تفعل داعش كثيرا ممن فيها

يوليو 31، 2014

بعد تصريحات إنكار عذاب القبر.. علماء الدين يفتحون النار علي 'عيسي'.. والأزهر يشكل لجنة للرد


 

اثارت تصريحات الإعلامي إبراهيم عيسي، بإنه لا يوجد شيء في الدين الإسلامي يسمي 'عذاب القبر'، أو 'الثعبان الأقرع'، وأن الهدف من الحديث عن عذاب القبر هو تهديد وتخويف الناس، ومفيش لا ثعبان أقرع ولا بشعر علي حد قوله في برنامجه 'مدرسة المشاغبين'، استنكارا من قبل علماء الدين الاسلامي، وكلف شيخ الازهر أحمد الطيب، المكتب الفني بالمشيخة بجمع التسجيلات المنتشرة مؤخرًا حول 'إنكار عذاب القبر' أو 'عذاب تارك الصلاة' وغيرها من الأحاديث، لعرضها علي مجمع البحوث الإسلامية لاتخاذ الإجراءات القانونية.

منذ القدم وجميعنا يستعذ بالله من عذاب القبر، حيث في ترجمة الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز، يوجد بابا بعنوان 'عذاب القبر'، روي فيه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، واكتفي بآية واحدة استدل بها جميع أهل السنة بلا خلاف علي ثبوت عذاب القبر في سورة غافر في حق آل فرعون: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:45-46].