بحث داخل الموقع

مارس 11، 2016

من سلسلة مقالات للكاتب المفكر عبد المنعم الخن الدولة المدنية الحديثة أين نحن منها؟..


مصيبة العالم العربي والإسلامي هي الفتاوي المضلة المضللة التي يصدرها العالم والجاهل علي حد سواء , وهي كارثة إستمرت أكثر من أربعة عشر قرنا , أما أم
الكوارث فهي أولئك البسطاء الجهلاء الذين يأخذون هذه الفتاوي وكأنها تنزيل العزيز الحكيم بل هم الذين يسعون إلي طلبها من أولئك الذين يظهرون علي شاشات التلفاز ويدعون أنهم من أهل الإفتاء ويطلب الناس منهم الفتوي في سفاسف الأمور , وكم من فتوي أدت بحياة الناس كالفتوي التي أطلقها الشيخ علي جمعة المفتي السابق لمصر والنجم الألمعي لشاشات الفضائيات عندما أفتي بأن الذي يموت بسبب حبه الجارف وعشقه الدفاق يموت شهيدا فما كانت من فتاة صغيرة إلا أن انتحرت بسبب هجر حبيبها لها معتقدة أنها ستموت شهيدة بناء علي هذه الفتوي.
.
الدولة تترك الحبل علي الغارب لمثل هؤلاء مدعي الفتوي أو الذين أصابهم الخرف وهم علي مشارف القبر, تتركهم عبر الفضائيات يصولون ويجولون ويصدرون فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان, الأمر الذي أدي برئيس البلاد عبد الفتاح السيسي أن يطالب بتجديد الخطاب الديني وألقي الكرة في ملعب شيخ الأزهر فيما يختص بذلك, ويبدو أن كلام الرئيس في واد والمسئولين ومؤسسات الدولة في واد آخر, لذا نجد كل من يتصدي للفكر التكفيري الإرهابي الذي يمارسه الإخوان والسلفية الوهابية ويحاول تصحيح الخطاب الديني , نجد الدولة تحبسه بتهمة إزدراء الأديان, وهي تهمة مطاطة يراد بها العصف بكل صاحب فكر أو رؤي أو كل مجتهد علي خلاف ما يقضي به دستور 2014 المجمد في ثلاجة الموتي , والذي ألغي عقوبة الجبس في مثل هذه القضايا المتعلقة بحرية الرأي والفكر والإبداع والإجتهاد.
.
والغريب أن الدولة تدعي أنها دولة مدنية حديثة , وهي في الحقيقة دولة يحتار الفكر في توصيفها أهي دولة حديثة أم دولة "أبو قديمه" وهل هي دولة دينية أم مدنية , وهل هي دولة تحترم دستورها أم تحنطه كما كان يفعل قدماء المصريين في موتاهم وتأبي حتي اللحظة في تفعله بقوانين تدعم نصوصه وتلغي غير المتفق مع هذه النصوص, وهل القضاء في مصر قضاء أوراق أم قضاء "ما أستقر في وجدان القاضي" وهل القاضي يحكم بقوانين أم بدستورعلما بأن ألمستقر والمعلوم هو جواز تطبيق الدستور مباشرة في بعض القضايا بصرف النظر عن القانون القائم والمخالف لنصوص الدستور , وذلك أن القانون حمال أوجه بشكل عام ويحمل نصوص مستطرقة والدليل علي ذلك هو الحكم الصادر ضد الدكتور المصحح المجتهد إسلام بحيري بالبراءة في محكمة أول درجة وبالسجن لمدة سنة بالإستئناف وحدث ذلك مع الكاتبة فاطمة تعوت براءة في أول درجة وحبس في الإسئناف.
.
والغريب أن النيابة هي التي تستأنف حكم أول درجة وكأن وكيل النائب العام لا يدري أن الحكم الذي قضي ببراءة إسلام وفاطمة نعوت في أول درجة هو حكم صحيح متفق ومنضبط مع نصوص الدستور الجديد دستور ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 والذي وافق عليه الشعب بنسبة 98% في مواده المتعلقة بحرية الرأي والفكر والإبداع, وفي هذا الصدد كان ينبغي علي النائب العام إصدار كتاب دوري يلفت فيه نظر وكلائه علي ضرورة عدم القيام بإلاستئناف علي الأحكام المطابقة للدستور الجديدة برغم عدم تفعيل نصوصه بقانون جديد, لأن الإستئناف في هذه الحالة قد يعيد الحكم إلي نصوص ألغاها دستور 2014 فيصبح الحكم هنا بناء علي قانون ملغي, والقاعدة القانونية الراسخة تقول أن الشك يفسر في صالح المتهم, وهل هناك حقيقة تعلو فوق الشك, تلك الحقيقة والتي لا نزاع فيها أن نصوص الحبس في قضايا الرأي قد ألغاها أبو القوانين وهو الدستور.
.
ولنرجع إلي نصوص الدستور في الباب الثالث منه: الحقوق والحريات والواجبات العامة:
المادة 65 ومنطوقها: "حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر"..
.
مادة 67 ومنطوقها: "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها. وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلي التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون.
.
مادة 92 ومنطوقها: الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.
.
المحصلة النهائية لهذا التغافل في تفعيل هذه النصوص التي جاء بها الدستور والغلو في حبس أصحاب الرأي والفكر هو إنعدام الحرية وهو الحق الأصيل للمواطن, مما ينعكس أثره علي إحجام المستثمرين عن إستثمار أموالهم في مصر طالما يرون أحكام القضاء متخبطة علي النحو الذي ذكرته , ذلك أن المستثمر يشعر بالقلق إذا ما دعته الظروف للجوء للقضاء الذي يحكم بقوانين حمالة أوجه, ووفق ما إستقر أو وقر في وجدان أو ضمير القاضي, بينما رأس المال جبان يخاف من هذه المقولة التي يمكن أن تنطوي علي هوي أو حول إدراكي لا يأتيان بحكم صحيح..
.
مما تقدم نستنتج أن هوية الدولة المصرية هي خلطة غريبة من بعض شيء من كل شيء أو قل (سمك لبن تمرهندي) , الأمر الذي يجعل مصر بكل تأكيد ليست دولة مدنية حديثة , أما إذا أردنا أن تكون كذلك وجب علينا إصلاح مؤسسة الأزهر تلك المؤسسة التي تفرخ الإرهابيين وتصبغ الدولة بطابع الدولة الدينية التكفيرية الإرهابية (أرجعوا لإعترافات الأزهريين الأرهابيين الذين قاموا بقتل النائب العام هشام بركات) , إن الذي لا مراء فيه أن مؤسسة الأزهر تعج بالإخوان والسلفيين الذين يقبعون داخلها , وعلينا أيضا إصلاح النظام القضائي, وتعديل قانون الإجراءات الجنائية المكبل والحكم بالأدلة الدامغة والكف عن مقولة "ماإستقر أو وقر في ضمير القاضي أو وجدانه ", وذلك يجرنا إلي أهمية إصدار القوانين التي تفعل النصوص الدستورية الجديدة أو تلغي ما يتعارض مع هذه النصوص.
.
هذه أولويات المرحلة الراهنة, والتي إذا تحققت سوف نبدأ في الخطوات التالية كي نمضي في بناء نظام تعليمي حديث ونظام صحي متطور , ونظام يهتم بالزراعة والصناعة حتي لا نعتمد علي الإستيراد الذي يستنزف خزينة الدولة من العملات الصعبة , وقبل كل ذلك لابد من إيجاد آلية تحد من الكثافة السكانية والإنفجار السكاني وهي المشكلة المسكوت عنها, ولا أدري ما سبب هذا السكوت وتلك الصمت الرهيب؟. ربما خوفا من العمائم. إن الكثافة السكانية التي تزيد بمعدل 2.6 مليون نسمة سنويا في بلد يدفع ثلث دخله القومي لخدمة الدين الخارجي والداخلي, ويعاني الفقر والجهل والمرض, ويستورد معظم متطلباته من شتي أنحاء العالم, لهي والله آفه كبيرة وأم الهوالك التي تلتهم الأخضر واليابس, تلتهم كل شيء وتعرقل برامج التنمية إن وجدت. فهل من سامع يسمع أو عاقل يعقل؟.