.
كل دولة تولد بشهادة ميلاد يحدد فيها أسمها وحدودها ونظامها وكافة الشئون المتعلقة برعاياها .. هذه الشهادة أسمها أو يطلق عليها "القانون"
ودولة بلا قانون هي دولة لقيطة لا أصل لها ولا جذور.
.
هذه مقدمة كان لابد منها لنصل لصلب المقالة وهي ما جرت به الأحداث في مصر وبالتحديد في محافظة الشرقية يوم أمس الأحد 23 من أغسطس 2015 علي أثر ما فعلة أمناء الشرطة بالشرقية واقتحامهم لمديرية أمن الشرقية ومنعهم القيادات من دخولها وقيامهم بتظاهرة مخالفة للقانون , وهذه الأحداث ما هي إلا عمل إجرامي من قبل جماعة المفروض هي الجهة المناط بها مكافحة الإجرام وتطهير البلاد من البلطجية , والحقيقة أنني لست مندهشا لما حدث وسوف يحدث لأن هناك خلل في البناء الأساسي للدولة يكاد يهوي بها لولا أن الله خير حافظا ولمصر بالذات دون سائر الأمم والعباد.
.
هذه الأحداث ترجع لسببين أحدهما ظاهر والثاني باطن , أما الأول فهو مطالبة فئوية تخص فئة أمناء الشرطة المصرية - ولو أن كلمة أمناء لم تعد أمينة ولكن نعديها المرة دي علي رأي الفنان الراحل عبد الفتاح القصري في دور حنفي في فيلم إبن حميدو - , أقول مطالبة أو مطالبات فئوية تخص فئة أمناء الشرطة , وهذه المطالبات يتوق لها أو يتطلع لها كل الفئات في مصر , وذلك بسبب الظروف الإقتصادية التي تمر بها البلاد منذ إنقلاب يوليو 1952, أما السبب الباطن وهو الأخطر والأهم فهو هدم دولة القانون بمعاونة وتحريض ودعم جماعة الإخوان الإرهابية ومن ولاهم , ووقائع الضباط الملتحين إبان حكم الخائن مرسي ليست ببعيدة عن الأذهان , ومثلهم قضاة رابعة وإعلاميين خامسة وسادسة , كلهم تجمعهم كلمة سواء وهي هدم أساس الدولة وهو القانون , فإذا أنهار الأساس أنهارت الدولة كما سيأتي ذكره حالا.
.
الدولة المصرية سنت قانون تنظيم التظاهر وهو القانون المعمول به في كافة دولة العالم المحترمة , كما سنت أخيرا قانون مكافحة الإرهاب وقد كتبت في شأنه مقالة علي هذه الصفحة أمس , والآن نأتي للإمتحان الصعب الذي تواجه مصر كدولة وهو: هل ستحاسب الدولة هؤلاء المارقين من أمناء الشرطة الذين تظاهروا أمس وطبعا لا يعقل أن يكونوا قد حصلوا علي ترخيص , وشواهد الفوضي والبلطجية وإندساس عناصر بالجلاليب وإقتحام مبني مديرية أمن الشرقية تؤكد علي إستحالة الحصول علي تصريح لهذه الفئة غير الأمينة والذين ينتسبون إلي جهاز الشرطة المصري المحترم , وهي فئة أقل ما توصف به أنها عار وشنار علي جبين الأمة المصرية بشكل عام وعلي جبين وزارة الداخلية بشكل خاص.
.
قانون التظاهر يحاسب من يقوم بالتظاهر بغير تصريح مسبق يحدد ميعاد أو ميقات للتظاهرة ومكان أو حدود التظاهرة وفوق كل ذلك ضرورة أو حتمية أن تكون التظاهرة سلمية لا يتخللها التحريض علي أعمال إجرامية أو إرهابية ,
وقد طبق القانون علي العديد من التظاهرات التي قامت بدون تصريح وقدم أصحابها للمحاكمة بتهمة خرق قانون التظاهر , والسؤال الملح والذي يطل براسه هو : هل الدولة ستطبق القانون ضد هؤلاء غير الأمناء الذي تظاهروا بالأمس وإقتحموا مبني مديرية أمن الشرقية ومنعوا قيادات المديرية من دخول المبني وقيامهم بالتحريض بإستخدامهم الخطب النارية والهتافات المعادية لنظام الحكم في مصر إبتغاء تقليب الشعب علي الشرطة مما يعكر ويعرض الأمن والسلم العام في مصر للخطر؟.
.
ما طرحته هو سؤال طويل ولكن إجابته قصيرة جدا في كلمتين هما: نعم أم لا .. فإذا كانت الإجابة بنعم نكون فعلا دولة أولا , ودولة قانون ثانيا , وإذا كانت الإجابة بلا .. فنكون بكل أسف لا دولة من أساسها وعليه تكون سلطاتها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائبة ديكورا , وحتي هذا الديكور سيذهب يوما في خبر كان وأخواتها.