نتابع في هذه الحلقة التعريف بعلم الحديث والعلوم الأخري المنبثقة عنه كعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال , وقد وقفنا في الحلقة التاسعة عند حتمية توافر صفتي العدالة والضبط في كل راو من رواته من بداية الإسناد إلى نهايته كما قمت بتعريف بعض المصطلحات الخاصة بعلم الحديث كي يلم القاريء بها عند تناولي بالشرح صحة الحديث من عدمه , ونواصل في هذه الحلقة (العاشرة) المزيد من إلقاء الصوء علي هذا العلم الذي أختصت به الأمة الإسلامية.
تتوقف صفات الحديث الصحيح على ثلاثة أمور:
أحدها: اتصال السند.
ثانيها: توثيق الرواة.
ثالثها: عدم المخالفة.
أولا- إذا رُوي حديث بإسناد متصل، وكان جميع رواته ثقات، ولم يكن مخالفاً لأحاديث أقوى منه، وصفه العلماء بالحديث الصحيح. ويسميه بعضهم "الصحيح لذاته".
والأحاديث الصحيحة متفاوتة في قوتها، تبعاً لقوة رجالها، ويطلق على أقواها اسم "سلاسل الذهب".
والحديث الصحيح يحتج به العلماء ويعتمدون عليه في إثبات الأحكام،
والعقائد وجميع أمور الشريعة.
ثانيًا: الحديث الحسن:
وهو مثل الحديث الصحيح في اشتراط جميع الصفات المتقدمة، إلا صفة الضبط، حيث يعتبر المحدثون أن درجة ضبط رواة الحديث الحسن تقصر عن درجة ضبط رواة الحديث الصحيح. فراوي الحديث الصحيح تام الضبط، وراوي الحديث الحسن ضبطه أخف. ويقال للحسن إذا كان كذلك: "الحسن لذاته"، وهو في الاحتجاج به والاعتماد عليه كالصحيح.
ثالثًا: الحديث الضعيف:
وهو الحديث الذي لم تتوفر فيه أي صفة من صفات الحديث الصحيح، أو الحديث الحسن. وهو على أنواع كثيرة تبعًا لعدم تحقق هذه الصفات، فقد يكون ضعيفًا لعدم اتصال السند: كما في الحديث المرسل والمعلق والمنقطع والمعضل والمدلس، وغيرها.
ودعوني أتناول أنواع الحديث الضعيف بشيء من التفصيل:
- الحديث المرسل: هو الذي يرويه التابعي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتابعون هم الذين لقوا أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخذوا العلم عنهم. فالسقط فيه في آخر السند بعد التابعي و إن كان هذا النوع من الحديث يصنف بأنه ضعيف إلا أنه يعمل به في بعض الأحيان كأن يفتي به بعض الصحابة أو يكون ممنلا يدلس ويعلم ضمنا من الصحابي الذي اشتهر التابعي بالرواية .
- الحديث المعلق: هو أن يروي المصنِّف حديثًا يُسقط منه شيخًا أو أكثر من أول الإسناد و إن كان هذا النوع أيضا من الضعيف إلا أنه قد يتم تتبعه و إثبات صحته كما في معلقات البخاري و مسلم .
- الحديث المنقطع: هو أن يسقط أحد الرواة من الإسناد في غير الموضعين المتقدمين.
- الحديث المعضل: أن يسقط من رواته اثنان متتاليان.
- الحديث المدلس: أن يروي الراوي عن شيخه الذي لقيه أحاديث لم يسمعها منه مباشرة، بلفظ موهم سماعه منه، فيظن تلاميذه أنها متصلة وأنه سمعها من شيوخه ولاتكون كذلك.
- الحديث الشاذ: فهو لمخالفتة الثقة لمن هو أوثق منه.
- الحديث المنكر: المنكر اجتمعت فيه صفتان من صفات الضعف: ضعف راويه، ومخالفته للرواة الثقات.
- الحديث المضطرب: فهو أن يُروى الحديث الواحد بأكثر من طريق، أو بأكثر من لفظ، يخالف بعضه بعضًا، ولا يمكن الجمع بينها، كما لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، بأي وجه من وجوه الترجيح.
- الحديث المدرج: وهو أن يُزاد في متن الحديث ما ليس منه. فيظن من يسمع الحديث أن هذه الزيادة من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وليست كذلك.
- الحديث المقلوب: وهو الحديث الذي وقع تغيير في متنه أو سنده، ويضرب المثل في توضيح ما وقع القلب في متنه، بالحديث المشهور الذي ذكر فيه السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيه (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، فهذا رواه بعض الرواة فقلبه فقال: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله). ومن أمثلة القلب في الإسناد: أن يقلب الراوي اسم أحد رجال السند، فيقول: عمـار بن هشام، والصحيح فيه هشام بن عمار.
- الحديث المعل: هو الحديث الذي وُجدت فيه علة تقدح في صحته، مع أن ظاهر الحديث سلامته منها، وقد تقدم تعريف العلة.
- الحديث المتروك: وهو الذي في رواته من يُتهم بالكذب، أو من كان شديد الضعف.
- الحديث الموضوع: وهو الذي يكون فـي رواته كـذّاب، لـذا اعتبره العلماء مكذوبًا مختلقًا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وكما يقرّر العلماء أن الأحاديث الصحيحة ليست على درجة واحدة من القوة، تبعًا لقوة ضبط الرواة، وطول ملازمتهم لشيوخهم، فإنهم يقررون أيضًا، أن الأحاديث الضعيفة تتفاوت، فمنها ما هو شديد الضعف، ومنها ما هو يسير الضعف.
وقد وضع علماء الحديث ضوابط تمييز الضعف اليسير من الضعف الشديد، ليس هذا موضع بسطها. لكن الجدير بالذكر هنا أن الحديث إذا كان ضعفه يسيرًا وجاء بإسناد آخر، أو أكثر، وكانت قريبة منه في ضعفها، فإن ضعفه يزول بمجموع طرقه ويرتقي إلى درجة الحسن ويطلق عليه "الحسن لغيره" لتمييزه عن الحديث "الحسن لذاته" الذي تقدم الكلام عنه.
وما يجدر ذكره أيضًا، أن الحديث "الحسن لذاته" إذا جاء بإسناد آخر حسن لذاته، فإنه يتقوى ويرتقي إلى درجة الصحيح لكن يطلق عليه "الصحيح لغيره"، لتمييزه عن الصحيح المتقدم ذكره.
ونواصل في الحلقة القادمة إنشاء الله تعالي.
