بحث داخل الموقع

سبتمبر 01، 2015

الدين والسياسة خطان متوازيان لا يلتقيان .. بقلم عبد المنعم الخن


الدين ذو ثوابت مطلقة ويتأسس علي الأخلاق والحب بين الناس والتقوي والورع وفعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. اما السياسة فهي فن الممكن حتي ولو كان هذا الممكن حراما أو محرما من رب العالمين وبذلك توصف السياسة بأنها أداة قذرة ولنا في التاريخ عبرة عندما اشتغل خلفاء بني أمية بالسياسة لتثبيت عرش خلافتهم.
.
ولنبدأ القصة من أولها حتي يلم القاريء بكل تفاصيلها , فبعد موت يزيد بن معاوية تولي إبنه الخلافة ولكن لم تدم خلافته إلا 3 أشهر وفي بعض المراجع 40 يوما بعدها صعد المنبر وأعلن تركه للخلافة.ولما حضرته الوفاة اجتمعت إليه بنو أمية فقالوا له: اعْهَدْ إلى من رأيت من أهل بيتك، فقال: واللّه ما ذُقْتُ حلاوة خلافتكم فكيف أتقلّد وزرَهَا. وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها، اللهم إني بريء منها متخل عنها، اللهم إني لا أجد نفراً كأهل الشورى فأجعلها إليهم ينصبون لها من يرونه أهلاً لها , ومات وهو 
ابن اثنتين وعشرين سنة، ودُفن بدمشق.
.
بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. كان نفوذ الأمويين قد ضعف حيث بايعت أغلب الأقاليم الخليفة عبد الله بن الزبير. حتى الشام، معقل نفوذ الأمويين كانت قد انقسمت بين مبايعين لمروان بن الحكم ومبايعيين لعبد الله بن الزبير وعلى رأسهم الضحاك بن قيس الذي سيطر على دمشق. 
.
هاجم مروان جيش الضحاك بمرج راهط وهزمه. وبعد أن دانت له السيطرة على الشام، خرج مروان بجيشة إلى مصر التي كانت قد بايعت عبد الله بن الزبير ودخلها وولى ابنه عبد العزيز بن مروان عليها (والد عمر بن عبد العزيز) 
وبسقوط مصر التي كانت تمد عبد الله بن الزبير بالغلال في مكة أصبح وضعه ضعيفاً.
.
بعث مروان بجيشين : الأول إلى الحجاز لمحاربة عبد الله بن الزبير والثاني لمحاربة مصعب بن الزبير شقيق عبد الله وواليه على العراق. هُزم الجيش الأول بينما لم يحقق الجيش الثاني أهدافه.
.
مات مروان وقد نجح في اخضاع الشام ومصر للأمويين بينما فشل في السيطرة على الحجاز والعراق وتولى ابنه عبد الملك بن مروان الخلافة من بعده وبذلك نشأت خلافة تضم الحجاز والعراق لعبد الله بن الزبير , وخلافه أخري في الشام ومصر لعبد الملك بن مروان الذي رفض مبايعة عبد الله بن الزبير خليفة للمسلمين , وظل يحاربه بهدف الإنفراد بكرسي الخلافة وحده ولإبنائه من بعده.
.
لتحقيق ذلك أتي عبد الملك بن مروان بشخص مجهول كان في حال التشرد يدعي الحجاج بن يوسف الثقفي وأطلق يده من أجل تصفية خصومه وعلي رأسهم عبد الله بن الزبير , فجال وصال وقتل الآلاف من المسلمين , ولما تحصن عبد الله بن الزبير بالكعبة أمر الحجاج رجاله بضربها بالمجانيق , وقد سبق للكعبة أن ضربت بالمجانيق وأحرقت في عهد يزيد بن معاوبة بقيادة قائد جيشه الحصين بن النمير سنة 64 هـ وذلك من أجل القضاء علي عبد الله بن الزبير إلا أن خبر موت يزيد قد وصل إلي مكة فانصرف جيش يزيد دون أن يحقق هدفه.
.
بعد ضرب الكعبة بالمجانيق وإقتحامها من قبل الحجاج ورجاله إستشهد عبد الله بن الزبير, ولم يكتف الحجاج بمقتله بل علق جسمانه الطاهر علي عامود خشب قرب الكعبة وظل علي هذا الحال إلي أن تتدخل عمر بن العزيز لدي عمه عبد الملك بن مروان لإنزال جسمان عبد الله بن الزبير وموارته الثري.
.
علي ضوء ما تقدم أستطيع القول أن السياسة عندما لبست ثوب الدين أدت إلي هذه الأحداث الدموية إبتداء من مؤامرة التحكيم بين علي ومعاوية والتي كان طرفاها كل من عمرو بن العاص عن معاوية بن أبي سفيان وأبو موسي الأشعري عن علي بن أبي طالب والتي أنتهت بتنحية علي بن أبي طالب وإسناد الخلافة إلي معاوية بن أبي سفيان , وهو الأمر الذي أدي إلي ظهور الخوارج وما أدراك ما الخوارج - علي العموم ليس هذا موضعنا الآن - وأنما اردت إلقاء الضوء علي إستحالة خلط الدين بالسياسة , فالسياسة نحّت أمر الشوري وأسست لنظام حكم ملكي يتسم بالبذخ وأبهة الحكم والقصور والأموال والجواري , وهو الحال التي ظلت عليه أنظمة الخلافة عبر قرون , خلافة ترث خلافة وخليفة يرث خليفة حتي زالت خلافة بني أمية وخلافة بني العباس وخلافة الإمويين في الأندلس وأخيرا خلافة العثمانيين التي قضي عليها نهائيا سنة 1924 بعد الحرب العالمية الأولي.
..
ولنواصل أمثلة أخري علي ما آل إليه الحال لما تم خلط الدين بالسياسة أو السياسة بالدين , ولنترك الخلافة الأموية بعدما غربت عنها الشمس وسقطت علي يد العباسيين في معركة الزاب الكبري التي وقعت في 11 من جمادى الآخرة عام 132 هـ قرب نهر الزاب الأكبر، وهو أحد روافد نهر دجلة، ويقع فـى شمال العراق . وقعت المعركة بين عبد الله بن علي بن عبد الله وهو عم أبو العباس عبد الله السفاح ومروان بن محمد الخليفة الأموي. حيث التقي الجيشان في منطقة الزاب بين الموصل وأربيل فانهزم جيش مروان وفر إلى مصر حيث قتل في مدينة أبى صير علي يد جيش أبي مسلم الخرساني الذي لحق به . فكان آخر ملوك بني أمية في الشام, وكان أول الخلفاء العباسيين هو أبو العباس عبد الله والملقب بأبي العباس السفاح لأنه سفك دماء الآلاف من بني امية بعد ما زال ملكهم. 
.
وتروي لنا كتب التاريخ أن أبوالعباس السفاح غطي جثث القتلي ببساط كبير وأقام فوقه مأدبة طعام ضخمة تحوي أشهي صنوف المأكل وأطيب ألوان الشراب ودعي إليها أعوانه من العباسيين , وصاروا يلتهمون الطعام بشهية كبيرة علي رائحة جثث القتلي من الأمويين.
.
مات أبو العباس السفاح وإعتلي كرسي الخلافة أخوه أبو جعفر المنصور فسار علي ضرب أخيه ابو العباس السفاح وأمعن في القتل حتي انه قتل من كان لهم الفضل في زوال خلافة بني امية واستتباب الأمر للخلافة العباسية مثل ابو سلمة الخلال وابو مسلم الخرساني , والأخير قتله الخليفه ابو جعفر المنصور بنفسه بعد حيلة دنيئة إذ أعطاه الأمان وطلب منه الحضور لقصر الخلافة للتفاهم بشأن ما صار بينما من خلاف حول مغانم وسبايا معركة "أبى صير" في مصر والتي إنتهت بقتل الخليفة الأموي مروان بن محمد والقضاء علي الخلافة الأموية نهائيا , والحقيقة لم يكن هذا هو سبب الخلاف وإنما كان السبب الحقيقي هو خوف أبو جعفر المنصور من شعبية أبي مسلم الخرساني بين جنده واعوانه في خرسان (إيران حاليا) , بالإضافة إلي موقف قد حدث من قبل حيث زاحم موكب أبي مسلم الخرساني في الحج موكب أبي جعفر المنصور حيث اتجه الناس إليه لكرمه، فأسرها له أبو جعفر المنصور في نفسه وانتقم منه فيما بعد , ومهما كانت الأسباب فقد تم قتل أبو مسلم الخرساني علي يد الخليفة أبو جعفر المنصور الذي خبأ أحد أعوانه خلف ساتر في ديوان الخلافة وكان يحمل سيفا , أستله أبو جعفر وقتل به أبو مسلم الخرساني غيلة وغدرا علي أثر إحتدام نقاش مفتعل بينهما. 
.
لا أريد أن أطيل علي قاريء الكريم في هذا الصدد ولكن أردت أن أبين الفرق فقط الفرق بين الدين والسياسة , فهما خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا ولو كان كذلك لجتمع المطلق مع النسبي أو الخير مع الشر وهذا محال , لذا وجب علي كل رجل دين أن يبتعد عن السياسة حتي لا يتلوث بجراثيمها وميكروباتها وكي يظل ثوبه أبيضا ناصعا لاتشوبه شائبة , ولله الأمر من قبل ومن بعد..