بحث داخل الموقع

أبريل 10، 2015

أحاديث تناقض القرآن .. بقلم جمال البنا

كانت السنة، أو بالتعبير الأدق الحديث الذي ينسب للرسول، هي الباب المفتوح الذي دخلت منه فرق وفئات من الناس ليثبتوا دعاواهم بحديث يضعونه علي لسان الرسول ويجعلون له سندا عاليا.


لقد أراد أعداء الإسلام، منذ أن بدأ أن يكيدوا له كما عرفتنا الآية «وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون» «فصلت: ٢٦»، ولكنهم عجزوا عن اللغو في القرآن لأنه محفوظ في الصدور، مثبت علي كل وسائل الكتابة، ولذلك التفوا حوله بأن وضعوا أحاديث تحلل الحرام وتحرم الحلال وتسيء إلي الإسلام، وإلي القرآن نفسه.

ولم يكن هؤلاء إلا فريقا واحدا من فرق عديدة، منهم الفرق السياسية ما بين أمويين، وعباسيين، وشيعة، وسنة، ومنهم المذهبيون من معتزلة ومرجئة وقدرية بل وجد فيهم «الوضاع الصالحون» الذين وضعوا أحاديث «حسبة» لإرهاف الحاسة الدينية ولتعميق أثرها في النفوس عن طريق أحاديث تقضي بالنعيم لمن يكرر أدعية أو يصلي نوافل، وتنذر بالجحيم لكل من يغني أو يلهو أو يغفل عن صلاة، ولما رأي بعضهم انصراف الناس عن القرآن وضعوا أحاديث في فضائل كل سورة.
هذا ما تفيض به كتب الأحاديث نفسها والتي تصور ذلك بأن الحديث الصحيح كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، ولما بدأ رجال الحديث في تدوين كتبهم وجدوا مئات الألوف من الأحاديث المتداولة، فقد قيل إن أحمد بن حنبل كان يعرف ألف ألف حديث «مليون»، وإن مالكاً كان يعرف ٦٠ ألفا، وإن البخاري كان يلم بخمسين ألف حديث.

وبذل رجال الحديث جهدا بطوليا في استنقاذ الحديث النبوي من وهدة الموضوعات، فنزلوا بها من مئات الألوف إلي عشرات الألوف ومن عشرات الألوف إلي ما دون العشرة آلاف حتي انتهوا إلي خمسة آلاف أو أقل هي ما جاء في الصحيحين «البخاري ومسلم».

ولكن هذا لم ينقذ الحديث لأن عوامل عديدة أخري كانت تدفع عملية الوضع مثل سوء النظام السياسي واعتماده علي التعصبات المذهبية، ومن انغلاق المجتمع وسيادة الجهالة التي تجعل الجماهير تتقبل الخرافة أكثر مما تتطلب الحقيقة.

وقد قرأت أحاديث عما دار بين النبي وزوجاته، في حين أن الرسول نفسه نهي المسلمين جميعاً عن أن يفضي أحدهم بما كان بينه وبين زوجته، فلا يعقل أن يكون الرسول قد قاله، كما لا يعقل أن تكون إحدي زوجاته قد أشارت إليه، ومع هذا فإن المحدثين الذين تحكمت منهم شهوة «الجمع» أثبتوها في كتبهم.

ووضع البعض مقاييس متشددة للأخذ بالحديث، فواصل بن عطاء لا يؤمن بأحدايث الآحاد، ويتبعه معظم المعتزلة، ووضع أبوحنيفة ثمانية ضوابط للأخذ بالحديث، ولكن الشغف بـ «التحديث» والرغبة فيه قضت علي كل هذه المعايير، ووصلت حد الفتنة عند بعضهم.

قال ابن مهدي: «فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد، لا تشبه فتنته فتنة، كم من رجل يظن به الخير قد حملته فتنة الحديث علي الكذب»، يقول ابن رجب: «يشير إلي أن من حدث من الصالحين من غير إتقان وحفظ فإنماحمله علي ذلك حب الحديث، والتشبه بالحفاظ، فوقع في الكذب علي النبي وهو لا يعلم، ولو تورع واتقي الله لكف عن ذلك فسلم».

وآية هذا أننا نري أحاديث عديدة تخالف روح الإسلام، والأصول العامة له، بل تخالف العقل والمنطق مما لا يتسع المجال لشرحه، وقد عرضناه في كتابنا «السنة» وهو الجزء الثاني من كتاب «نحو فقه جديد».