ما حدث بالأمس 8 فبراير 2015 من مقتل 19 مواطنا مصريا ومايزيد عن عشرين من الجرحي قبل مباراة لكرة القدم علي إستاد ملعب الدفاع الجوي بالتجمع
الخامس بالقاهرة بين فريقي الزمالك وأنبي , لهو شيء بقدر ما هو محزن ومبكي بقدر ما هو غريب علي المجتمع المصري الذي أتصف بالطيبة والتسامح عبر تاريخه الطويل , إذن ماذا جري لهذه الشعب المسالم؟ , الإجابة علي هذا السؤال بسيطة وواضحة ويدركها كل زي عقل ولب وكل زي أذنين وعينين , بعد 25 يناير فقد الشعب المصري صفة المسالم وأكتسب صفة المتجرأ , والتجرؤ بات بسبب وبدون سبب , التجرؤ علي كل شيء , التجرؤ علي خرق القانون , والتجرؤ علي الأمن , والتجرؤ علي الجيش , وبإختصار التجرؤ علي كل شيء حتي وصل التجرؤ علي المعلم بل وعلي الأهل والجيران.
هذا التجرؤ خلق ثقافة الفوضي الذي يعاني منها المجتمع المصري بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 , تجلت هذه الثقافة "ثقافة الفوضي" علي يد جماعة الإخوان الإرهابية يوم قاموا بالتجرؤ السافر ومارسوا الفوضي وأعمال الشغب ضد أقسام الشرطة التي أحرقوها والسجون التي أقتحموها والمساجين التي هربوها والكنائس التي دمروها , كل ذلك علي ذمة ما يسمي ثورة 25 يناير وتحت هذا الشعار إستباح المجرمون الإرهابيون كل شيء من كذب وغش وتدليس حتي وصلوا لسدة حكم مصر في غفلة من الزمان وغفلة من الشباب الغلبان المغرر به بإسم الدين.
هؤلاء الشباب منهم من أدرك حجم المؤامرة وأتخذوا موقفا تصحيحا في 30 يونيه 2013 , ومنهم من ظل ثائرا متظاهرا بشكل فوضوي , يرفوضون الحصول علي تصاريح للتظاهر ويتجرؤون علي قانون تنظيم التظاهر ويريدون إمتهان القانون ودولة القانون , وأنضم إلي هذه الفئة من الشباب عناصر الألتراس الكروي وعلي رأسها ألتراس الأهلي والتراس الزمالك , هؤلاء الشباب الذين يشكلون مجموعات الألتراس أخترقت من قبل الجماعات الإرهابية , فألتراس أهلي أخترق من عناصر خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة الإرهابية , وألتراس زمالك أخترق من قبل عناصر حازم أبو إسماعيل وأطلقوا علي أنفسهم "حازمون" وأعتقد أن القاريء الكريم يعرف من هو حازم أبو إسماعيل.
جماعات الألتراس في بداياتها كانت جماعات رياضية في المقام الأول تقوم بتشجيع فرقها الكروية بشكل حضاري , ولكن بعد 25 يناير أو قبلها بقليل تحول الألتراس إلي جماعات فوضوية مخربة لا تنصاع لقانون أو تستجيب لنظام وبدأت بأعمال شغب داخل المدرجات وخارجه وللأسف لم تجد من الدولة "العين الحمراء" التي ترهبهم فأستمرءوا أعمال الشغب واقتحام بوابات الملاعب بل وإفتحام مدينة الإنتاج الإعلامي للإعتداء علي بعض الإعلاميين الذي يرفضون منهجهم التخريبي وينددون به , وداوموا علي إثارة الشغب والفوضي الذي وصل إلي حد إطلاق نار علي رئيس نادي الزمالك مرتضي منصور في محاولة فاشلة لقتله , أما الفاجعة الكبري فكانت يوم أول فبراير عام 2012 بعد إنتهاء مباراة كروية بين المصري والأهلي في بورسعيد والذي راح ضحيتها أكثر من سبعين من شباب مصر وما زالت قضيتهم منظورة في ساحة القضاء حتي اليوم.
بالأمس كانت المباراة هي مباراة الزمالك وكان هو المسئول عن تنظيمها وقد صرح الأمن بدخول 10 آلاف مشجع وطبعت التذاكر وفق هذا العدد و لكن آلاف أخري من المشجعين لم تجد تذاكر لدخول المدرجات بسبب نفاذها كما ذكرت . عند هذه النقطة كان ينبغي علي الشباب الإنصراف ومشاهدة المباراة من خلال التلفاز مثلا , إلا أن ثقافة الفوضي المتجذرة في نفوسهم وتجرأهم الذي أكتسبوه منذ 25 يناير أبي إلا أن يعكر الصفو , فتجمهروا أمام البوابات يريدون إقتحامها بالقوة مما أعطي الفرص للعناصر الإرهابية وعناصر ألتراس المنتمية إلي خيرت الشاطر أو تلك المسماة بحازمون أن يجدوا ضالتهم المنشودة في أعمال القتل والحرق , فقتلوا 19 مواطن غير الجرحي , وذك من أجل إيقاف مسيرة مصر نحو القضاء علي الإرهاب وإستقرار البلاد وإكمال خارطة الطريق بالإستحقاق الثالث والأخير وهو البرلمان , بالإضافة إلي إجراج مصر الدولة أمام العالم , خصوصا عشية زيارة هامة لشخصية عالمية كبيرة مثل السيد بوتن رئيس روسيا الإتحادية.
نأتي إلي التعامل الأمني , الذي أعتقد أنه لم يكن موفقا , ففي مثل هذه الظروف الصعبة والأوقات العصيبة ينبغي إعمال العقل , فبدلا من إطلاق قنابل مسيلة للدموع قد يذهب ضحيتها بعض المتجمهرين نتيجة الإختناق , صحيح أنهم حرفوا عربتين للشرطة ووقفوا في طريق باص الزمالك الذي يحمل اللاعبين مما إضطرت الشرطة إلي إدخالهم مستقلين عربة مدرعة وكأننا في ساحة الوغي والحرب , وفي إعتقادي أن المتجمهرين من الشباب الراغب في دخول المدرجات عنوة لم يكن يحمل سلاحا أو يحمل سلاحا ولم يستخدمه ضد الشرطة , فكان علي الشرطة في هذه الحالة أن لا تستخدم قنابل الدخان وتسمح بدخول بعض هؤلاء المشجعين دفعة تلو أخري ولتكن الدفعة مائة أو مائتين وفي داخل الملعب تقبض عليهم وما أيسر ذلك بالنسبة لهذا العدد وتتحفظ عليهم خارج الإستاد في مكان أمين ثم يفرج عنهم بعد إنتهاء المباراة وصلي الله وبارك , وكنا تجنبنا هذه الدماء المهدرة وتلك التعازي التي صارت أنشودة كل يوم.
رحم الله من مات ونحتسبهم عند الله شهداء وندعو لذويهم بالصبر الجميل , ونهيب بالمسئولين عن هذا البلد أن يقتفوا أثر الجناة المجرمين والقبض عليهم بأقصي سرعة وهمة وتقديمهم إلي محاكمة عسكرية سريعة لينالوا جزاء ما أرتكبوا من جرم فادح في حق النفس التي حرم الله قتلها.
