بحث داخل الموقع

يوليو 01، 2015

حاربوا الأفكار قبل أن توّلد إرهابيين جدد .. بقلم عبد المنعم الخن

لو كان هناك من يسمع أو يقرأ ما كتبته وكتبه غيري بشأن مفارخ أو حضانات الإرهاب , لكان دحر الإرهاب أمرا ميسورا , لقد ذكرت في مقال لي بعنوان "هل مصر تحارب الإرهاب أم الإرهابيين؟ نشر علي هذه الصفحة في 7 يونيه 2015 كما نشر علي مدونتي "قراءات وكتابات" في 8 يونيه 2015 , ولمن يريد المتابعة علي المدونة يتفضل بالنقر علي الرابط الأتي: 
.
نعود إلي مقال اليوم بمناسبة ما أدلي به المتحدث الرسمي بإسم القوات المسلحة من أخبار الهجوم علي كمائن للجيش في سيناء من قبل عناصر إرهابية واستشهد 17 من أفراد القوات المسلحة منهم 4 ضباط وإصابة 13 آخرين منهم ضابط واحد , وقد تمكن رجال القوات المسلحة من إحباط هذا الهجوم والتصدي له وقتل ما لا يقل عن مائة من العناصر الإرهابية وإصابة عناصر كثيرة منهم جنوب الشيخ زويد ورفح , لقد قلت في مقالي السابق أن هناك فرق بين أن تحارب الإرهاب كعقيدة أستوطنت العقل وبين إرهابيين يحملون السلاح ويقتلون ويدمرون ويحرقون من منطلق هذه العقيدة , وهنا آتسآل نهتم بمحاربة من أولا؟ , أهو المضلل الذي يحمل السلاح؟ أم هي المفرخة أو الحاضنة التي تولد مثل هذا المضلل (بفتح اللام)؟ , أم محاربة الأثنين معا في وقت متزامن؟ وأعتقد أن الخيار الأخير هو الأصوب.
.
بدون أدني شك إذا قضينا علي المفرخة أو الحاضنة فلن يتولد مثل هؤلاء الإرهابيين الذين يحملون السلاح في مواجهة الأمة , إذن ما هي هذه المفرخة او الحاضنة؟ لقد أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن كتب التراث المليئة بالغثاء والأحاديث المكذوبة التي أفتري بها المحدثون علي نبي الرحمة المهداة محمد صلي الله عليه وأله وسلم , كحديث عكرمة الكذاب "من بدل دينه فاقتلوه" وتفسيرات خاطئة لبعض آيات الذكر الحكيم مثل قوله تعالي:
.
{إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: 40]. ومثل قوله جلا وعلا:
.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء: 60].
.
أما عن الآية 40 من سورة يوسف فقد فسرها المفسرون في كتب التراث علي أن كل من يحكم أو يحكم (بتشديد الكاف) أناس من البشر فهو كافر , وفي الآية 60 من سورة النساء وتأسيسا عليها افتوا بأن الحاكم غير الخليفة فهو من الطاغوت ومن يتبع حكم الطاغوت فهو كافر وطالما كافر يعني بدل دينه وهنا يطبق عليه الحديث المكذوب "من بدل دينه فاقتلوه" , ومن أجل ذلك فهم يكفرون ثم يقتلون.
.
واذا ما نظرنا بتمعن وتدبر لنص الآية الكريمة {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: 40] نجد أن الذي يؤسف له أنّ هذه الآية الواضحة استغلت على مدى التّاريخ، فمرّة تمسك بها الخوارج في قضية «التحكيم» التي أرادوها هم وأمثالهم في حرب «صفين» فكانت «كلمة حق أريد بها باطل» كما قال الإمام علي رضي الله عنه ، حتى أصبح شعارهم (لا حكم إلاّ لله).
.
لقد كانوا من الجهل والبلاهة إنّهم حسبوا أنّ من حكم بأمر الله والإسلام في أمر من الاُمور يكون قد خالف (إن الحكم إلاّ لله) بينما كانوا يقرأون القرآن كثيراً، ولكن لا يفهمونه إلاّ قليلا، فالقرآن نفسه في موضوع الإحتكام العائلي يصرّح بإختيار حكم من جانب الزوجة وحكم من جانب الزوج: (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها) النساء 35
.
أعود إلي مفارخ أو حضانات الإرهاب التي تخرج كل يوم مزيد من الإرهابيين حاملي السلاح بحيث مهما قتلت منهم فلن تستطيع القضاء عليهم بالفناء طالما الحضانات تولد غيرهم وطالما الشيوخ التكفريين الذين نهلوا من كتب التراث ويدرسونها بما فيها من غثاء وأكاديب وأباطيل , طالما هؤلاء الشيوخ حاضرون بقدسية مزعومة وكلمتهم مسموعة لدي الناس من كل الأعمار والأجناس , ودعوني أحدد هذه المفارخ أو الحضانات (بتشديد الضاض) لعل أجد من يستمع أو يتدبر من الناس أو من أولي الأمر في هذا الوطن الغالي:
.
إن المفرخة (وهي تشبه مفرخة الدواجن) هي الحاضنة التي تفرخ الإرهابيين الذين يناط بهم أعمال القتل والتخريب , فما هي إذن هذه المفارخ؟ , وأقول مفارخ بصيغة الجمع لأنها ليست مفرخة واحدة , وإليكم بعضها:
.
- المفرخة الأولي: كتب التراث المليئة بالأباطيل والأكاذيب فيما يتعلق بالأحاديث النبوية التي نسبوها إلي نبي الرحمة المهداة والذي وصفه ربه بالخلق العظيم , نسبوها إليه صلي الله عليه وسلم من قبيل الإفك والبهتان , والتي تشرّع للقتل كالحديث الذي ورد في البخاري برقم 3017 عن عكرمة الكذاب الذي كذب علي إبن عباس في الحديث الشهير { أن عليا أتي بنفر من الزنادقة فحرّقهم بالنار فبلغ ذلك إبن عباس فقال: أما أنا فلو كنت لقتلتهم لقول النبي صلي الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه ولما حرّقتهم لنهي النبي "لا تعذبوا بعذاب الله" } كذلك الحديث الذي ورد في كتاب "إرواء الغليل" صفحة 8/125 (صفحة مائة وخمسة وعشرون الجزء الثامن) للألباني عن معاذ بن جبل {قدم علي أبي موسي الأشعري معاذ بن جبل باليمن فإذا رجل عنده قال ما هذا قال رجل كان يهوديا فأسلم ثم تهوّد ونحن نريده علي الإسلام منذ قال أحسبه شهرين فقال والله لا أقعد حتي تضربوا عنقه فضربت عنقه فقال قضي الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو من بدل دينه فاقتلوه} , أما الحديث الأشهر والذي أتخذه تنظيم داعش الإرهابي لقتل المصريين في ليبيا وفي كل بقعة وطئت فيها أقدامهم أرضها فهو الحديث الذي اشتهر بإسم " حديث الساعة" عن عبد الله بن عمر والذي أورده ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري لابن حجر العسقلاني بصفحة رقم 116/6 (صفحة مائة وستة عشر جزء 6) ومتنه أو نصه كما يلي: 
{بعثت بين يدي الساعة مع السيف , وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي , وجُعلت الذلة والصَّغَار علي من خالف أمري , ومن تشبه بقوم فهو منهم} رواه: عبدالله بن عمر وتحدث به الذهبي وأورده في كتابه "سير أعلام النبلاء" بصفجة 15/509 
.
المفرخة الثانية هي مناهج الأزهر التي تدرس في المدارس الإعدادية والثانوية الأزهرية , والتي أعدها المهيمنون علي التعليم الأزهري من محتوي كتب التراث المشار إليها والتي تحض في الغالب الأعم علي كراهية الآخر وتكفيره , كما أنها تجمد ذهنية الطالب وفكره عند القرن السابع الميلادي قرن إبن تيمية وتلاميده أمثال إبن القم وإبن كثير حيث أتسعت عندهم دائرة التكفير وبالتالي قتل من كفروه , حتي وصل إستحقاق القتل علي الجهر بالنية , بمعني أنك لو قتلت أني نويت كذا جهرا فإنك تكفر وتقتل , وللأسف لا يتسع المجال هنا للحديث في ذلك الأمر أكثر من هذا تجنبا للإطالة.
.
- المفرخة الثالثة: هي الخطاب الديني الذي يتناوله الجاهلون والموتورون وغير ذوي العلم والإختصاص والتنوير ويرددونه من علي منابر المساجد والزوايا في طول البلاد وعرضها والذي يؤسس لعقيدة تكفير الآخر ورميه بالزندقة (هي بالمناسبة كلمة لم تأتي في القرآن أو السنة وإنما هي إختراع من أرادوا بالناس سوءا وقتلهم) , ولأن الدين عاطفة تنفذ إلي القلوب سريعا ولأن الشعب المصري متدين بطبعه سواء مسلم أو مسيحي فأن مثل هذه الخطب من الجهلاء والسفهاء وأصحاب الهوي تجد صدي واسعا لدي عامة الشعب فيسمعون ويتفاعلون معها ويصدقون كل ما يحشر في أدمغتهم , وإلا كيف تفسر حصول الخائن مرسي والهارب من السجن علي أكثر من أثني عشرة مليونا من أصوات الناخبين المصريين في إنتخابات اليوم الأسود في تاريخ الأمة المصرية عام 2012 ؟ , , بينما جماعة الإخوان الإرهابية لا يزيد عددها عن نصف المليون أو ينقص كثيرا وما يزيد عن ذلك فهم الذين أنطلت عليهم الحيلة والخدعة والمتعاطفين معهم بحسن النية أو بغيرها.