بحث داخل الموقع

فبراير 02، 2016

من سلسلة مقالات للكاتب المفكر عبد المنعم الخن. الدين والسياسة خطان متوازيان لا يلتقيان .

الدين هو مصدر الأخلاق والحب بين الناس والتقوي والورع وفعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. اما السياسة فهي عكس الدين وأخلاقياته حيث أن السياسة لا أخلاق لها ولا تعرف أو تعترف بالخير إلا إذا كان في صالح السياسي , وقد قالوا أن السياسة هي فن الممكن حتي ولو كان هذا الممكن ضد الدين والمباديء الإنسانية وحتي لو تضمن غشا وخداعا أو قتلا وتدميرا من منطلق الغاية تبرر الوسيلة كما قال ميكافيلي , ولهذا توصف السياسة بأنها أداة قذرة ولنا في التاريخ عبرة عندما اشتغل خلفاء بني أمية بالسياسة لتثبيت عرش ملكهم , ولنبدأ القصة من أولها حتي يلم القاريء بكل تفاصيلها , فبعد موت يزيد بن معاوية تولي إبنه الخلافة ولكن لم تدم خلافته إلا 3 أشهر وفي بعض المراجع 40 يوما بعدها صعد المنبر وأعلن تركه للخلافة.
.
ولما حضرته الوفاة اجتمعت إليه بنو أمية فقالوا له: اعْهَدْ إلى من رأيت من أهل بيتك، فقال: واللّه ما ذُقْتُ حلاوة خلافتكم فكيف أتقلّد وزرَهَا. وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها، اللهم إني بريء منها متخل عنها، اللهم إني لا أجد نفراً كأهل الشورى فأجعلها إليهم ينصبون لها من يرونه أهلاً لها , ومات وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، ودُفن بدمشق.
.
بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. كان نفوذ الأمويين قد ضعف حيث بايعت أغلب الأقاليم الخليفة عبد الله بن الزبير. حتى الشام، معقل نفوذ الأمويين كانت قد انقسمت بين مبايعين لمروان بن الحكم ومبايعيين لعبد الله بن الزبير وعلى رأسهم الضحاك بن قيس الذي سيطر على دمشق. 
.
هاجم مروان جيش الضحاك بمرج راهط وهزمه. وبعد أن دانت له السيطرة على الشام، خرج مروان بجيشة إلى مصر التي كانت قد بايعت عبد الله بن الزبير ودخلها وولى ابنه عبد العزيز بن مروان عليها (والد عمر بن عبد العزيز) . وبسقوط مصر التي كانت تمد عبد الله بن الزبير بالغلال في مكة أصبح وضعه ضعيفاً.
.
بعث مروان بجيشين : الأول إلى الحجاز لمحاربة عبد الله بن الزبير والثاني لمحاربة مصعب بن الزبير شقيق عبد الله وواليه على العراق. هُزم الجيش الأول بينما لم يحقق الجيش الثاني أهدافه.
.
مات مروان وقد نجح في اخضاع الشام ومصر للأمويين بينما فشل في السيطرة على الحجاز والعراق وتولى ابنه عبد الملك بن مروان الخلافة من بعده وبذلك نشأت خلافة تضم الحجاز والعراق لعبد الله بن الزبير , وخلافه أخري في الشام ومصر لعبد الملك بن مروان الذي رفض مبايعة عبد الله بن الزبير خليفة للمسلمين , وظل يحاربه بهدف الإنفراد بكرسي الخلافة وحده ولإبنائه من بعده.
.
لتحقيق ذلك أتي عبد الملك بن مروان بشخص مجهول كان في حال التشرد يدعي الحجاج بن يوسف الثقفي وأطلق يده من أجل تصفية خصومه وعلي رأسهم عبد الله بن الزبير , فجال وصال وقتل الآلاف من المسلمين , ولما تحصن عبد الله بن الزبير بالكعبة أمر الحجاج رجاله بضربها بالمجانيق , وقد سبق للكعبة أن ضربت بالمجانيق وأحرقت في عهد يزيد بن معاوبة بقيادة قائد جيشه الحصين بن النمير سنة 64 هـ وذلك من أجل القضاء علي عبد الله بن الزبير إلا أن خبر موت يزيد قد وصل إلي مكة فانصرف جيش يزيد دون أن يحقق هدفه.
.
بعد ضرب الكعبة بالمجانيق وإقتحامها من قبل الحجاج ورجاله إستشهد عبد الله بن الزبير, ولم يكتف الحجاج بمقتله بل علق جسمانه الطاهر علي عامود خشب قرب الكعبة وظل علي هذا الحال إلي أن تتدخل عمر بن العزيز لدي عمه عبد الملك بن مروان لإنزال جسمان عبد الله بن الزبير وموارته الثري. 
.
ولنترك الخلافة الأموية بعدما زالت عنها الشمس وسقطت علي يد العباسيين ببطش أبي مسلم الخرساني الذي قتل جيشه آخر الخلفاء الأمويين مرون بن محمد في معركة الزاب , وكان أول الخلفاء العباسيين هو أبو العباس والملقب بأبي العباس السفاح لأنه سفك دماء الآلاف من بني امية بعد ما زال ملكهم , وتروي لنا كتب التاريخ أن أبوالعباس السفاح غطي جثث القتلي ببساط كبير وأقام فوقه مأدبة طعام ضخمة تحوي أشهي صنوف المأكل وأطيب ألوان الشراب ودعي إليها أعوانه من العباسيين , وصاروا يلتهمون الطعام بشهية كبيرة علي رائحة جثث القتلي من الأمويين.
.
مات أبو العباس السفاح وإعتلي كرسي الخلافة أخوه أبو جعفر المنصور فسار علي ضرب أخيه ابو العباس السفاح وأمعن في القتل حتي انه قتل من كان لهم الفضل في زوال خلافة بني امية واستتباب الأمر للخلافة العباسية مثل ابو سلمة الخلال وابو مسلم الخرساني الذي قتله الخليفه ابو جعفر المنصور بنفسه بعد حيلة دنيئة إذ أعطاه الأمان وطلب منه الحضور لقصر الخلافة للتفاهم بشأن ما صار بينما من خلاف حول مغانم وسبايا معركة الزاب التي أنتصر فيها أبو مسلم الخرساني وجيشه , والحقيقة لم يكن هذا هو سبب الخلاف وإنما كان السبب الحقيقي هو خوف أبو جعفر المنصور من شعبية أبي مسلم الخرساني بين جنده واعوانه في خرسان (إيران حاليا) , ومهما كان السبب فقد تم قتل أبو مسلم الخرساني علي يد الخليفة أبو جعفر المنصور الذي خبأ أحد أعوانه خلف ساتر في ديوان القصر وكان يحمل سيفا , أستله أبو جعفر وقتل به أبو مسلم الخرساني غيلة وغدرا علي أثر إحتدام نقاش مفتعل بينهما. 
.
لا أريد أن أطيل في هذا الصدد ولكن أردت أن أبين الفرق بين الدين والسياسة فهما بكل تأكيد خطان متوازيان كقضبان القطار الذي يسير عليه , ماذا يحدث لو أن القضيبين قد ألتقيا , بالتأكيد ستحدث كارثة يموت فيها الآلاف , هذا من جانب ومن جانب آخر هل يجتمع المطلق مع النسبي , بالطبع لا ولو حدث لفسد المطلق والنسبي معا , أي فسد الدين ما سمح الله وفسدت السياسة وهذا محال بالجزم والقطع.
.
لذا وجب علي كل رجل دين أن يبتعد عن السياسة حتي لا يتلوث بجراثيم السياسة وميكروباتها ولكي يظل ثوبه أبيضا ناصعا لاتشوبه شائبة , ولقد أخطأت قيادات الأزهر وعلي رأسهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إثر تدخله الدائم في الشأن السياسي وإعتكافه في منزله إعتراضا ومتعاضا علي الأحادث التي وقعت في مصر أثر عزل مرسي وفض إعتصام رابعة والنهضة , كما أنه يرفض تكفير إرهابي داعش الذين قتلوا مواطنينا في ليبيا ويقتلون جنودنا في سيناء بينما إبن تيمية الذي يطلقون عليه في السعودية الوهابية "شيخ الإسلام إبن تيمية" يكفر المسلم علي الجهر بالنية , بمعني أنك لو جهرت بنيتك بغعل شيء كما لو قلت نويت أصلي ركعتين , صرت كافرا , وشيوخ الأزهر يعلمون ذلك لأنهم درسوا فتاوي إبن تيمية ويدرسونها لطلابهم.
.
أما الطامة الكبري فهي أن شيخ الأزهر يبقي ويتسترعل مجموعة إخوانية قيادية داخل المشيخة أولهم وكيله حسن شومان الذي وقف علي منير مسجد الشربتلي بعد الإعلان الدستوري الكارثة الذي أصدره مرسي في 22 نوفمبر 2012 , وقف الشيخ عباس شومان وكيل الأزهر الحالي يؤيد مرسي ويمتدحه ويصفه بأنه أعظم حاكم إسلامي , ويطالب تأييده , ولما هاج عليه الناس قال لهم متحججا "أنه شرع الله" , وبعد أن آل الحكم لعبد الفتاح السياسي يسارع عباس شومان بصفته وكيلا للأزهر يحضر مؤتمرات وإجتماعات للرئيس برجال الدين , يسارع لمصافحته ويخفي هويته الإخوانية والذي كان بالأمس القريب داعما ومؤيدا ومادحا للخائن مرسي .. أليس هذا نفاقا من رجل دين وحلت قدماه في مستنقع السياسة؟ .. أنصت لما قاله عباس شومان من علي منبر مسجد الشربتلي بالضغط علي الرابط الأتي أو نسخة ووضعه في بحث يوتيوب أو جوجل:
.
أما مدير المكتب الفني لشيخ الأزهر الحالي حسن الشافعي فحدث ولا حرج , فالرجل يصف أحداث الحرس الجمهوري بالمقتله ويندد بحكم العسكر بفيديو علي اليوتيوب , ضع هذا العنوان علي بحث اليوتيوب (الشيخ حسن الشافعى بعد مذبحة الحرس الجمهورى)
لتشاهد هذا الفيديو .
.
وكذلك محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر , يكتب في مجلة الأزهر ويهاجم حكم العسكر ويمتدح في الإخوان.
.
علي العموم مسألة أخونة الأزهر وسلفيته ليست غريبة فأكثر من نصف رجال الأزهر شيوخا وأساتذه ومعلمين وتلاميذ وطلبة هم أخوان وسلف وهابي بإمتياز , أما الغريب في هذا الأمر أن يطلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من هؤلاء تجديد الخطاب الديني والقيام بثورة تنويرية لصالح الدين , هؤلاء يا سيادة الرئيس أصحاب فكر متأصل يسكن العقول تعلموا وتربوا علي كتب التراث المليئة بالغثاء وتكفير الآخر وفتاوي إبن تيمية التي تحض علي تكفير المسلم لأتفه الأسباب ومن ثم وجوب قتله لأنه كافر. 
.
وأخيرا أقول إذا أردنا محاربة الإرهاب وإصلاحا للخطاب الديني بجعله خطابا مستنيرا يجمع ولا يفرق , يحيي ولا يميت , يشع الحب ولا ينشر الكراهية بين النحل والملل بل بين الدين الواحد وتقسيم الناس فيه إلي مذاهب يكره بعضهم بعضا ويظن كل فريق أنه هو علي الحق وأنه حاصل علي ختم الوكالة من رب العالمين كي يسيطر ويستغلظ ويتعالي علي بقية الناس , إن الله سبحانه خاطب الناس بأن "كل نفس بما كسبت رهينة".
.
إذا أردنا إصلاحا حقيقيا والقضاء علي الإرهاب علينا بتجفيف منابعه من الأصل , وأصله تلك الأفكار التكفيرية والفتاوي المضللة وبعض كتب التراث المليئة بالغثاء والتي يستقي منها الخطاب الديني السائد الآن محتواه وفحواه والقائم علي تكفير الآخر وإستباحة دمه , أما ما تقوم به مصر الآن من التصدي للإرهابيين ومقاتلتهم كمثل الذي يقتل ذبابا في بيته ويترك أكوام القمامة تملأ شوارع مصر وميادينها , فيعود الذباب أضعافا مضاعفة سيرته الأولي طالما بقيت المنابع.