بحث داخل الموقع

يونيو 08، 2015

هل مصر تحارب الإرهاب أم الإرهابيين؟ .. بقلم عبد المنعم الخن

هناك فرق بين أن تحارب الإرهاب كعقيدة أستوطنت العقل وبين إرهابيين يحملون السلاح ويقتلون ويدمرون ويحرقون من منطلق هذه العقيدة , وبحسب نظرية
الوجودية فإن الفكرة تسبق الفعل في الوجود , فالفنان الذي يرسم لوحة تأتيه فكرتها أولا ثم يقوم بتنفيذها ورسمها بناء أو تطابقا لهذه الفكرة , كذلك الإرهاب يأتي اولا كفكرة ثم كعقيدة ثم تخرج إلي الوجود في شكل إرهابيين يحملون السلاح ليقتلوا ويدمروا كما أسلفت.

.
هذه إستهلالة كان لابد منها وهي جزء لا ينتجزأ من مقالي , إلا أن الهدف من المقال هو تبيان المفارخ أو المصادر التي تصدّر الفكرة أو العقيدة للبسطاء والجهلاء ومسلوبي الإرادة التي تمتلأ بهم كافة الجماعات والتنظيمات الإرهابية حول العالم بشكل عام وفي مصر بشكل خاص.
.
إن المفرخة (وهي تشبه مفرخة الدواجن) هي الحاضنة التي تفرخ الإرهابيين الذين يناط بهم أعمال القتل والتخريب , فما هي إذن هذه المفارخ؟ , وأقول مفارخ بصيغة الجمع لأنها ليست مفرخة واحدة , وإليكم بعضها:
.
- المفرخة الأولي: كتب التراث المليئة بالأباطيل والأكاذيب فيما يتعلق بالأحاديث النبوية التي نسبوها إلي نبي الرحمة المهداة والذي وصفه ربه بالخلق العظيم , نسبوها إليه صلي الله عليه وسلم من قبيل الإفك والبهتان , والتي تشرّع للقتل كالحديث الذي ورد في البخاري برقم 3017 عن عكرمة الكذاب الذي كذب علي إبن عباس في الحديث الشهير { أن عليا أتي بنفر من الزنادقة فحرّقهم بالنار فبلغ ذلك إبن عباس فقال: أما أنا فلو كنت لقتلتهم لقول النبي صلي الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه ولما حرّقتهم لنهي النبي "لا تعذبوا بعذاب الله" } كذلك الحديث الذي ورد في كتاب "إرواء العليل" صفحة 8/125 للألباني عن معاذ بن جبل {قدم علي أبي موسي معاذ بن جبل باليمن فإذا رجل عنده قال ما هذا قال رجل كان يهوديا فأسلم ثم تهوّد ونحن نريده علي الإسلام منذ قال أحسبه شهرين فقال والله لا أقعد حتي تضربوا عنقه فضربت عنقه فقال قضي الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو من بدل دينه فاقتلوه} , أما الحديث الأشهر والذي أتخذه تنظيم داعش الإرهابي لقتل المصريين في ليبيا وفي كل بقعة وطئت فيها أقدامهم أرضها فهو الحديث الذي اشتهر بإسم " حديث الساعة" عن عبد الله بن عمر والذي أورده ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري لابن حجر العسقلاني بصفحة رقم 116/6 ومتنه أو نصه كما يلي: 
{بعثت بين يدي الساعة مع السيف , وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي , وجُعلت الذلة والصَّغَار علي من خالف أمري , ومن تشبه بقوم فهو منهم}
.
المفرخة الثانية هي مناهج الأزهر التي تدرس في المدارس الإعدادية والثانوية الأزهرية , والتي أعدها المهيمنون علي التعليم الأزهري من محتوي كتب التراث المشار إليها والتي تحض في الغالب الأعم علي كراهية الآخر وتكفيره , كما أنها تجمد ذهنية الطالب وفكره عند القرن السابع الميلادي قرن إبن تيمية وتلاميده أمثال إبن القم وإبن كثير حيث أتسعت عندهم دائرة التكفير وبالتالي قتل من كفروه , حتي وصل إستحقاق القتل علي الجهر بالنية , بمعني أنك لو قتلت أني نويت كذا جهرا فإنك تكفر وتقتل , وللأسف لا يتسع المجال هنا للحديث في ذلك الأمر أكثر من هذا.
.
- المفرخة الثالثة: هي الخطاب الديني الذي يتناوله الجاهلون والموتورون وغير ذوي العلم والإختصاص والتنوير ويرددونه من علي منابر المساجد والزوايا في طول البلاد وعرضها والذي يؤسس لعقيدة تكفير الآخر ورميه بالزندقة (هي بالمناسبة كلمة لم تأتي في القرآن أو السنة وإنما هي إختراع من أرادوا بالناس سوءا وقتلهم) , ولأن الدين عاطفة تنفذ إلي القلوب سريعا ولأن الشعب المصري متدين بطبعه سواء مسلم أو مسيحي فأن مثل هذه الخطب من الجهلاء والسفهاء وأصحاب الهوي تجد صدي واسعا لدي عامة الشعب فيسمعون ويتفاعلون معها ويصدقون كل ما يحشر في أدمغتهم , وإلا كيف تفسر حصول الخائن مرسي والهارب من السجن علي أكثر من أثني عشرة مليونا من أصوات الناخبين المصريين في إنتخابات اليوم الأسود في تاريخ الأمة المصرية عام 2012 ؟ , , بينما جماعة الإخوان الإرهابية لا يزيد عددها عن نصف المليون أو ينقص كثيرا وما يزيد عن ذلك فهم الذين أنطلت عليهم الحيلة والخدعة والمتعاطفين معهم بحسن النية أو بغيرها.
.
إن المصريين أنتخبوا هذا العميل ليس حبا لشخصه ولكن حبا لما أدعوته جماعة الإخوان الإرهابية من تقربهم إلي الله وأنهم هم الحافظون لدين الله والمدافعون عنه , وأنهم هم الملاذ والمفر لمن يبتغي الجنة مستقرا له.
.
بعذ الذي بينته أجد أن مصر لا تحارب إلا الإرهابيين الذي يحملون السلاح ويقتلون ويدمرون وتغض الطرف بقصد أو بدون قصد عن الفكر الإرهابي المستوطن في العقول والأذهان , كما تستوطن فيروسات الكبد الوبائي في الجسم الإنساني فتهلكه , إن محاربة الإرهابيين لن تجدي نفعا , فإذا قتلت منهم العشرات خرجوا عليك بالمئات , وإذا قتلت منهم المئات خرج عليك الآلاف , وإذا قتلت الآلاف خرجت عليك الملايين , وهكذا طالما المفارخ قائمة وطالما تلد النساء.
.
من أجل ذلك ينبغي محاربة هذه المفارخ والقضاء علي هياكلها وقياداتها ونسف مناهج التعليم الأزهري وليس ترقيعها , فالثوب المرقع يظل مرقعا بل و يتسع الخرق على الراقع , والرأي عندي أن تشكل لجنة من العلماء ذوي الإختصاص بالعلوم الدينية والتربوية والتاريخية من غير رجال الأزهر ليضعوا مناهج جديدة لطلاب المدارس الأزهرية والجامعات التي تدرس العلوم الدينية , وذلك بما تتفق وتتسق مع صحيح الدين وشريعته السمحاء ومسايرة للتطور التدريجي للزمن فيما لا يمس الفرائض والعبادات والتي يطلقون عليها "ثوابت الدين" , والتي يجب أن تحدد تحديدا دقيقا حتي لا يأتي أحدهم كائنا من كان ويبتدع في شيء ما ويطلق عليه ثوابت كما هو حاصل الآن , ولا ينبغي ترك الجهلاء وغير ذوي الإختصاص من إعتلاء منابر المساجد والزوايا لمجرد أنهم يرتدون العمائم ويطلقون اللحي.
.
إن مناهج التعليم سواء تعليم أزهري أو غير أزهري هي الأداة التي تشكل عقيدة ووجدان الطالب الإنسان منذ نعومة أظافره , فإذا كانت الأداة فاسدة شب الطالب علي فكر فاسد يؤدي إلي كراهية الآخر وتكفير المجتمع وإستحلال دمه لأنه مجتمع مرتد وكافر طبقا لما تلقاه من معلمه أو شيخه, أما إذا كانت الأداة صالحة فسوف تثمر الثمار الناضجة الصالحة فيستقيم المجتمع ويخلو من الأفكار الإرهابية وبالتالي من هؤلاء الإرهابيين الذي يعيثون في الأرض فسادا. 
.
وأخيرا أستطيع القول أنه إذا أخذت الدولة بهذا النهج في معالجة الإرهاب فسوف تقضي علي الإرهابيين حاملي السلاح قضاء مبرما , وأعود فأكرر: يا أولي الأمر حاربوا الأفكار قبل أن توّلد إرهابا وإرهابيين , هذا إن كنتم جادين وإلا سيظل الحال علي ما هو إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا , ولله الأمر من قبل ومن بعد.