الفكر ثلاثة أنواع .. الفكر البدائي .. الفكر الديني والفكر العلمي ..فأي فكر إذن هو السائد لدي قطاع عريض من شعب مصر؟ ..
إن الفكر السائد لدي أكثر من تسعين في المائة من الشعب المصري هو مزيج من الفكر البدائي والفكر الديني غير المستنير .. اما الفكر العلمي فلا يتبناه إلا القليل من سكان مصر البالغ تعداده تسعين مليون نسمة .. وهنا أنوه أن معتنقي الفكر البدائي الممزوج بالفكر الديني الظلامي لا يعني ان أصحاب هذا الفكر او المنهج هم أولئك الأميون والبسطاء بل هو فاكر سائد لدي الكل متعلمين وغير متعلمين .. رجال ونساء ومن يتشكك في هذا الكلام فاليرجع إلي حوادث النصب التي سادت وما زالت سائدة ومنتشرة في المجتمع المصري من أناس حرفتهم إستغلال هذا الفكر لدي الناس لإبتزاز أموالهم مقابل شفائهم من الجن والعفاريت التي تلبس أجسادهم او شفائهم من داء عضال عن طريق تلاوة القرآن أو تسخير الجن لتحقيق ذلك , وإقامة حفلات
الزار مازالت حاضرة في المدن والريف علي حد سواء . . حتي من تريد أن تتزوج أو تريد من زوجها أن يهيم بها حبا وشغفا تلجأ للدجالين كي "يعملوا لها عملا" يحقق لها ذلك الحب الذي تشتهيه فتصبح عبلة يهيم بها عنترة.
.
علي ضوء ما تقدم أطرح سؤالي: كيف يفكر المواطن المصري البسيط صاحب هذا الفكر فيمن ينوب عنه في البرلمان المزمع إجراء إنتخاباته خلال الأيام القادمة؟.
.
إن الناخب العادي المصري البسيط , حتي ذلك المتعلم الأمي لا يعرف ماذا يعني دستور ولا يعرف ما هي المهمة الحقيقة للنائب في البرلمان ولا يعرف كثير من المصطلحات السياسية مثل لبرالية وعلمانية ويسار ويمين ووسط وتكنوقراط وغيرها .. إذن ماذا يعرف الناخب المصري .. أنه يعرف الله تمام المعرفة ولكن لا يتقيد بتعاليمه عز وجل .. يعرف الذهاب الي الصلاة ولا يعمل بمقتضاها (الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي) .. يعرف الجنة والنار ولكن ميزان حسناته لا يؤهله للجنة.. من أجل ذلك هو يصوّت للمتاجرين بالدين وهو يثق فيهم فعندما يقولون له أعطي صوتك من أجل الإسلام وأنك بذلك ستدخل الجنة , يفعل لأن لديه إحساس من داخله أن ميزان حساناته لا يؤهله للجنة كما ذكرت فهو يتصور أن التصويت لهؤلاء فرصه لدخول الجنة ومحو سيئاته لأنه يعتقد أنهم سيقيمون دولة الإسلام ويعلون شرع الله , ومن ثم تصويت هذا القطاع الكبير من المصريين حتما سيكون علي لهؤلاء المتأسلمين , حيث يكفي قليل من الدعاية أن المرشح مسلم وبتاع ربنا لينتخبه .. لماذا؟ لأنه لا يعرف شيئا إسمه البرنامج الإنتخابي وكل الذي يعرفه أن إنتخاب المرشح بتاع ربنا سوف يزيد حسناته ويؤهله لدخول الجنة , وقد شاهدنا الكم الهائل من الإخوان والسلف الذين حصلوا علي الأغلبية في برلمان 2012.. (المسمي ببرلمان الإخوان) وزاد الطين بلة التصويت لمرسي العميل الخائن في الإنتخابات الرئاسية التي أتسمت بمهزلة لم يسبق لها مثيل أشترك فيها قضاة اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية برئاسة المستشار فاروق سلطان , والإعلام المضلل الذي ظل يلمع ويطبل للإخوان والسلفيين علي شاشات الفضائيات طيلة فترة الدعاية الإنتخابية وما قبلها.
.
.إنتهت المهزلة بإستيلاء الإخوان علي سدة الحكم في مصر لمدة عام ولولا لطف الله الذي هيأ لها جيشا عظيما إستجاب لرغبة الشعب في الخلاص من نير الإخوان لمكثوا في الأرض خمسمائة عام أو يزيد , وعودة علي بدء , من ذا الذي أعطي صوته بالموافقة في الإستفتاء علي دستور الإخوان؟ بعد أن طبخه القاضي الإخواني المستشار حسام الغرياني رئيس لجنة المائة , الإجابة: هم أولئك اصحاب العاطفة الدينية العمياء غير المبصرة.
.
قد يقول قال أن الشعب قد وعي الدرس وتعلم ولن يلدغ المؤمن من الجحر مرتين , أقول يا سيدي أن الفكر الديني لدي العوام والخاصة هو فكر خام غير تنويري لإنه تلقي هذا الفكر عن شيخه وترسخ في عقله وقلبه ووجدانه ويستحيل تغييره أو إستبداله بل ويفجر نفسه من أجله , حتي لو تغير يوما يكون ذلك من قبيل المواءمة السياسية , وهو ما يمارسه السلفيون الآن تحقيقا لغرض السيطرة علي البرلمان القادم (راجع ما يسمي بالمعاريض والتقية في أدبياتهم .. أبحث في جوجل عن ذلك).
.
الديمقراطية والحرية في المفهوم الشعبي المصري هي الفوضي التي نراها جهارا نهارا في الشارع المصري , ومفهوم النائب لدي أكثرية الشعب هو رجل الخدمات التي يحمل الطلبات ليوقع عليها الوزراء إستجابة لمطالب أهل دائرته , ولا تحسبن أن هذا المفهوم قصري أو حصري علي الناخب المصري بل هو ممتد إلي المرشح المصري وبعد ذلك النائب المصري في البرلمان المصري , أفبعد ذلك ننتظر خيرا من البرلمان القادم؟ إن ذلك كعشم أبليس في الجنة , ولسوف نري ألوان الطيف المبعثرة والشللية غير المؤهلة والخطوط المتداخلة والصراعات الحتمية خصوصا الصراع بين البرلمان ومؤسسة الرئاسة بعد أن منحت لجنة الخمسين المكون نصفها من فلول مبارك ولجنة سياسات الحزب الوطني المنحل , منحت البرلمان صلاحيات غير مسبوقة وتعلو علي صلاحيات رئيس الجمهورية , وقد ألمح الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ذلك في معرض خطابه أمس حين قال "الدستور وضع بنوايا حسنة" وكان هذا تأدبا منه كبير ولكنه إستطرد فقال " الدول لا تبني بالنوايا الحسنة"
.
الأحزاب المصرية كثيرة تصل لأكثر من مائة حزب ولكنها هامشية ليس لها وجود في الشارع المصري ولا حتي أحد من الناس يتذكر أسماءها . حتي الأحزاب ذات التاريخ مثل الوفد أحزاب تعاني الصراعات الداخلية وعديمة النشاط في الشارع السياسيي وهي بذلك فقدت مصداقيتها , إذن من يسيطر الآن علي المشهد السياسي في مصر؟.
.
كل صاحب بصر أو بصيرة يجد أن نجم الشباك المسيطرعلي المشهد السياسي والإنتخابات البرلمانية القادمة هو السلفي والإخواني من خلف الكواليس بالتضامن مع عشرة أحزاب دينية أخري , ذلكم أنهم أصحاب أمكانيات مادية رهيبة وأصحاب وسائل إقناع غريبة وهم حاملي ختم الجودة من رب العالمين لهداية الناس أجمعين وإدخالهم الجنة غير مساءلين , أنهم كاذبون مدلسون متواطئون يستخدمون الدين لأغراض الدنيا ولديهم أدبيات تبرر لهم الكذب والغش والدهاء تحت إسم "المعاريض" و"التقية" , وهم أحفاد إبن تيمية صاحب الفتاوي التكفيرية ومحمد بن عبد الوهّاب السعودي صاحب المذهب الوهابي المنتشر في المملكة العربية السعودية إلي الآن , المذهب الذي أدي إلي قتل الآلاف وإنتهاك حرمات النساء وبقر بطون الأمهات الحوامل , كل ذلك حدث لأنهم رفضوا فكرهم التكفيري ومذهبهم الدموي.
.
السلفيون ومن علي شاكلتهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالحرية ويعتبرون الحاكم غير الإمام طاغوتا ويكفرونه ومن كفر حق عليه القتل (بناء علي رواية لعكرمة الكذاب مولي أو خادم بن عباس , أن الأخيرة قال لعلي بن أبي طالب علي خلفية إدعاء حرقه لجماعة من الزنادقة , قال له لو كنت أنا ما حرقتهم ولكنت قتلتهم كما قال رسول الله "من بدل دينه فاقتلوه" , أدّعوا ذلك زورا وبهتانا علي الرسول (ص) الذي أرسله ربه رحمة للعالمين , وهو الذي لم يثبت في حقه أنه قتل مرتدا , والرجل الأعرابي الذي جاءه في المدينة وقال له "أقلني بيعتي" وكررها ثلاث , لم يلتفت إليه رسول الله (ص) وتركه . وعبد الله بن أبي السرح الذي كان يدلس في كتابة القرآن الذي يمليه عليه الرسول (ص) , فكان الرسول يمليه مثلا "غفور رحيم" فيكتبها "غفور عظيم" ورتد بعد ذلك وذهب إلي معسكر الكفر في مكة , ثم تشفع له أبو موسي الأشعري وصحبه إلي رسول الله (ص) فلم يلتفت إليه ولم يقبل شفاعة أبي موسي الأشعري وكان في إمكانه قتله حتي أن الصحابة الحضور كانوا في دهشة وكانوا يتوقعون أن يأمر الرسول (ص) بقتله ولكنه لم يفعل , بعد ذلك رجع عبد الله بن أبي السرح إلي الإسلام وعين علي رأس الجيش الذي ذهب لفتح شمال أفريقيا في عهد الخليفة عثمان بن عفان.
.
بالله عليكم كيف يتقدم السلفيون للترشيح في برلمان دولة كافرة يحكمها الطاغوت الحاكم الكافر؟ نعم هم أول المتقدمين فالغاية عندهم تبرر الوسيلة , وغايتهم التي يشتهونها هي إقامة الخلافة المزعومة التي ليس لها وجود أو حتي نصا في القرآن أو ذكرا في سنة , ولو شاء ربك الخلافة لأبقي علي خلافة العباسيين في بغداد وما كان إستطاع هولاكو القضاء عليها وقتل ما يقارب المليون من المسلمين في العراق والذين لم يستطع آخر خلفاء بني العباس المستعصم بالله ونظامه حمايتهم والزود عنهم.
.
السلفيون والجماعة الإسلامية ينتهزون الفرصة الآن للوثوب علي الحكم من خلال الإنتخابات البرلمانية التي لم يبق علي إجرائها غير أيام معدودات .. وهم يسعون لإعادة الخلافة الإسلامة إذا حصلوا علي ثلثي مقاعد البرلمان فيعزلون الرئيس عبد الفتاح السياسي بعد ما يتهمونه بإنتهاك أحكام الدستور أو الخيانة العظمي أو أي جناية أخري , حسب نص المادة 159 من دستور 2014 التي تنص علي (يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك احكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، أو أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس) , وإذا ما تحقق لهم ذلك سوف يهجرون كل من يخالفهم في مذهبهم أو تفكيرهم ويفرضون الجزية علي النصاري كما يطلقون عليهم , أنهم لا يعرفون المواطنة وكلامهم عنها من قبيل "المعاريض" وهذا اللفظ يفهمونه جيدا , كما أن السماح بدخول بعض المسيحيين إلي حزبهم المسمي بحزب النور فهذا من قبيل "التقية" وهذا اللفظ أيضا يعرفونه جيدا , فهم يفعلون ذلك كي يتجنبوا صمهم بأنهم حزب ديني فتقوم لجنة شئون الأحزاب بحله لمخالفته للدستور.
.
ودعوني أتكلم عن هذه الحفنة من المسيحيين الذين أنضموا إلي حزب النور السلفي , للأسف هؤلاء يغردون خارج السرب ولا ينتمون لا للمسيحية كدين ولا لمصر كوطن , هم للأسف فرادي من المسيحيين الإنتهازيين المتطلعين والمشتاقين لدخول البرلمان , هم أيضا أغبياء لا كرامة لهم حيث أهانوا كافة المسيحيين الذين وصفهم السلفيون بالقردة والخنازير, وحرموا علي المسلمين تهنئتهم بأعيادهم المسيحية , هم وبعض النسوة الذين إنضموا إلي حزب النور , هم وهن في الحقيقة قطع من الديكور , وظن السلفيون أن ذلك ينفي عن حزب النور مرجعيته الدينية وكراهيته للمسيحيين وإزدرائه للمرأة , ولقد ذكرني ذلك الموقف ب "الدبلير" الذي ينهال عليه الضرب بدلا من بطل الرواية , وإذا سألت أحدا من السلفيين هل تقبلون أن يكون رئيس حزب النور مسيحيا؟ , يجاوبونك باللف والدوران ولا تأتي منهم بإجابة شافية.
.
وأخيرا كل ما أرجوه أن تمر الإنتخابات البرلمانية التي هي علي الأبواب .. أن تمر بأمن وسلام , وأن يحسن الشعب إختيار ممثليه في البرلمان وأن يبتعد عن المرشح الكذاب الذي يستخدم الدين مطية للوصول لأغراضة التآمرية لحساب الجماعات الإرهابية المتأسلمة سواء في الداخل أو الخارج , وليعلم الناخب أن صوته أمانة في عنقه يؤديها يوم الإقتراع فإن أداها علي خير وجه صلح الدين وصلحت الدنيا وعاش الناس في أمن وسلام , ولله الأمر من قبل ومن بعد.